أكد محمد علي الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، أن إيران أعلنت الحرب على العرب وحشرت أنفها في الشؤون الداخلية للسعودية، ولم تحترم أصول وقواعد الأعراف الدبلوماسية، مؤكدا أنه كان من الطبيعي قطع الرياض علاقاتها مع طهران بعد الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية. وقال الحسيني، في حوار أجرته معه «عكاظ» إن أقلية صغيرة فقط من الشيعة تؤمن بما يسمى بولاية الفقيه، مؤكدا أن هناك معارضة لمرجعيات إيرانية كبيرة، وعلماء أجلاء لهذه البدعة الدخيلة على الإسلام وعلى المذهب الشيعي. وتابع قائلا «الشعب الإيراني بملايينه لا يؤيد هذه البدعة، وإن الشعب مغلوب على أمره، ومقموع بأبشع الوسائل». وزاد «يكفي أن نذكر أن إيران هي البلد الثاني في العالم في تنفيذ أحكام الإعدام المعلنة، أما الإعدامات السرية فحدث ولا حرج». وهنا تفاصيل الحوار: • ما هو تعليقكم على قطع السعودية علاقاتها مع إيران على إثر الاعتداء على الممثليات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد؟ •• عندما تقوم دولة ما بإعلان عدائها السافر لدولة أخرى، فإنه من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى القطيعة. وهذا هو حال إيران التي أعلنت الحرب على العرب بمختلف الوسائل منذ زمن طويل. بالمقابل تعاملت معها الدول العربية من موقع الحرص إلى وحدة الصف، ولكن الأمور وصلت إلى أن تحشر إيران أنفها في الشؤون الداخلية للسعودية، وفي مسألة حساسة تخص القضاء السعودي. فكان لا بد من وضع حد لهذه المهزلة المسماة علاقات دبلوماسية، لأن طهران لم تحترم أصول وقواعد هذه العلاقات، وضرب حكم الملالي والحرس الثوري، بالقانون الدولي عرض الحائط، وجرى الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية، ولهذا كان من الطبيعي قطع هذه العلاقات مع طهران. وما يؤكد صوابية هذا الموقف أن المجتمع الدولي أدان إيران، وتضامن مع كل العرب، ولولا الموقف السعودي الحازم بقطع العلاقات، والدعم العربي الواسع لما ندد العالم، ولما تراجعت طهران. • هل تعتقدون أن كل الشيعة يؤمنون بما يسمى ولاية الفقيه؟ •• أقلية صغيرة من الشيعة تؤمن بولاية الفقيه، وحتى في إيران هناك معارضة لمرجعيات كبيرة وعلماء أجلاء لهذه البدعة الدخيلة على الإسلام وعلى المذهب الشيعي. ولا يمكن اعتبار الشعب الإيراني بملايينه مؤيدا لها، فواقع الأمر أنه شعب مغلوب على أمره، ومقموع بأبشع الوسائل، ويكفي أن نذكر أن إيران هي البلد الثاني في العالم في تنفيذ أحكام الإعدام المعلنة، أما الإعدامات السرية فحدث ولا حرج. أما خارج إيران فإن أقليات صغيرة جدا من شيعة العرب تتبع ولاية الفقيه، وهي مجموعات حزبية أو ميليشياوية وليست فئات شعبية. ومرد ذلك إلى الإمكانات المالية وغيرها التي تضعها إيران في تصرف هؤلاء الأتباع للتغرير واللعب على غرائزهم المذهبية، أو شراء ولائهم بالمال. • هل تسعى إيران لجعل مرجعية جميع الشيعة ل «قم» عوضا عن النجف؟ •• إسقاط أو تهميش أو إلغاء مرجعية النجف الأشرف لتحل محلها قم الإيرانية، هو حلم فارسي يمتد عبر التاريخ، وقد حرصت السلطة الإيرانية عبر مختلف العهود على ذلك، لمعرفة الملالي قيمة وتأثير النجف على الشيعة عموما، وعلى شيعة إيران تحديدا. ولما فشلت كل محاولات إلغاء دور النجف، اعتمد الفرس أسلوبا جديدا لتطويع المرجعية من خلال إرسال آلاف رجال الدين الإيرانيين ليعيشوا في العراق ويكتسبوا جنسيته وينغرسوا في مجتمعه، ولكن مع احتفاظهم بولائهم الفارسي، ومع الوقت وجدنا هؤلاء يتربعون على مراكز هامة داخل المرجعية العربية للشيعة ويحولونها عن أهدافها في خدمة المشروع الامبراطوري الفارسي، والأسوأ من ذلك أن رجال الدين من أصل إيراني انتشروا في العالم العربي بذريعة أنهم عرب وبدأوا يؤدون أدوارا تخريبية حيثما حلوا. • صدرت عدة خطابات من نصر الله مؤخرا يهاجم فيها المملكة. ما هو رأيكم حول ما ورد فيها؟ •• نخالف تماما كل ما قاله نصرالله بحق السعودية التي نعتبرها الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية، ونراها تتصدى بحزم لكل محاولات اختراق وإسقاط أمننا القومي العربي. وقد أعادت المملكة بقراري عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي اللذين شكلا منعطفا إستراتيجيا تاريخيا، الأمل إلى العرب جميعا بأننا خير أمة أخرجت للناس. ولعل نصرالله أو من يقف خلفه يستاء من كوننا كذلك، ولا يرغب بأن يرى ندا قويا للأمة الفارسية، فجاء ليصب جام غضبه على صانعة هذا المنعطف التاريخي. وبطبيعة الحال نحن نستنكر كل كلمة أطلقها بحق المملكة، ونعتبر أنفسنا معنيين جدا بالدفاع عن ممكلة الخير التي لم تبخل يوما على كل لبناني أو عربي كلما اقتضت الحاجة. • هل يعتبر نصر الله معبرا عن كل الشيعة في لبنان؟ •• لا يوجد شخص أو حزب يعبر عن كل الشيعة في لبنان أو في أي دولة من دول العالم. فالشيعة في الأساس يعيشون التعدد في الآراء والاجتهادات. أما على المستوى السياسي فإن الغالبية الساحقة من الشيعة في لبنان والدول العربية والعالم لا تتبنى ولاية الفقيه، لا بل إنهم لم يسمعوا بها إلا من خلال الدعاية الإيرانية، لأنها ليست من صلب عقيدتهم. ونصرالله عندما يعلن أنه جندي بإمرة الولي الفقيه الإيراني فإنه يبتعد عن الغالبية الساحقة من شيعة لبنان والعرب. ولنلاحظ أن حزب الله عندما تبنى مقاومة إسرائيل ثم أعلن أن حروبه هي للدفاع عن لبنان، على الأقل إعلاميا، فإنه اكتسب الشعبية ليس في صفوف الشيعة بل أهل السنة أيضا وفي صفوف غير المسلمين كذلك، ولكنه عندما ظهر على حقيقته كحزب ملحق بالحرس الثوري الإيراني يقاتل حيث تدعو الحاجة الإيرانية فإنه فقد المصداقية والشعبية. • ما رأيكم حول الدعوات المتكررة من نواب حزب الله لنسف اتفاق الطائف؟ •• من المستغرب أن يشارك حزب الله في الحكومة والبرلمان اللبنانيين القائمين على ميثاق الوفاق الوطني في الطائف، ويعمل في السر على نسف هذا الاتفاق. ومن المستغرب أيضا أن ينتقد النظام اللبناني وهو مشارك أساسي فيه. هذه الدعوات لإسقاط الطائف تعني شيئا واحدا وهو أن حزب الله يناور ويضلل اللبنانيين ويريد أن يجعل لبنان دولة فاشلة بتعطيل كل مؤسساتها الدستورية وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية ومجرد ورقة بيد المفاوض الإيراني حين يأتي زمن التسويات الإقليمية والدولية على حساب شعوب المنطقة العربية. ولكن ما يزعج حزب الله هو أن غالبية اللبنانيين ترفض مناوراته وطروحاته، وهم متمسكون باتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية واحتضنته على أرضها، والذي أنهى الحرب الأهلية. لذلك تجد نصرالله يراوغ فيتحدث تارة عن مؤتمر تأسيسي (لوضع دستور جديد) وطورا يعود للحديث عن حل السلة الشاملة، أي انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإجراء الانتخابات النيابية، وكل ذلك وفق أسس الطائف. • هل من تعارض بين الانتماء لمذهب وتقديم الدولة الوطنية كأولوية، هذا السؤال ملح مع تراجع مستوى التعايش بين الفرقاء في لبنان منذ 2006؟ •• لا يوجد تعارض مبدئي بين الانتماء لمذهب والانتماء الوطني، ولكن ما يحصل في لبنان مثلا أن الزعماء السياسيين للطوائف اللبنانية وضعوا مصالحهم الخاصة فوق المصلحة الوطنية واستخدموا الانتماءات المذهبية، وهي في الأصل شأن ديني لا علاقة له بالسياسة، ووسيلة للحشد الشعبي وللكسب السياسي. ووضعوا أبناء الطوائف المختلفة في مواجهة بعضهم البعض. والمؤسف أن الانتماء الوطني ضعف في خضم هذا النزاع المفتعل. ولكن الحقيقة أنه يمكن للمرء مسلما أو مسيحيا أن يكون لبنانيا بالكامل، فالانتماءان مختلفان في النوع، ولا يلغي أحدهما الآخر. • هناك مناطق شيعية في العراق منها البصرة تعاني من الميليشيات والتفرقة بين شيعي موال لإيران وشيعي غير موال؟ •• لا شك أن هذه الظاهرة هي من صنع المجموعات التابعة لإيران، فهدفها حشد العدد الأكبر إلى صفوفها وهي تستخدم كافة الوسائل ومنها التصنيف والتخوين والفرز وربما تصل لاحقا إلى التكفير. ومن سخرية الأقدار أن يتحول المقياس لتحديد شيعية أي عراقي بمقدار قربه من إيران. وهذا خاطئ بالمطلق. فالفرس تشيعوا تاريخيا على أيدي العرب وليس العكس. ولكن أعتقد أنها مجرد ظاهرة مخابراتية عابرة صنعت في الخارج وسترتد إليه في نهاية المطاف. عاصفة الحزم نصر للأمة وأشار الحسيني إلى أن إطلاق عاصفة الحزم جاء للرد على تهديدات وجودية تصيب الأمة العربية والإسلامية وتعتبر نصراً للأمة. والواقع أن ما يجري في منطقتنا ليس مجرد خطر عابر وإنما هو محاولة لإعادة رسم خارطة المنطقة عبر التفتيت والتقسيم وإقامة الكانتونات المذهبية المغلقة المتحاربة في ما بينها. في العراق كانت البداية، ثم جاء دور اليمن، إذ حاول الإيرانيون بواسطة الحوثيين السيطرة عليه، أو على الأقل تقسيمه بحيث يحتفظون بقطعة منه لنفوذهم ولتهديد كل دول الخليج عبر الخاصرة السعودية، وكذلك كان التدخل الإيراني في سوريا لمنع سقوط الأسد ولو كان الثمن تقسيم سوريا. إن أهمية عاصفة الحزم أنها أوقفت التمدد الإيراني نحو العمق العربي، ومهما طالت الحرب في اليمن فإن حلفاء طهران لن يحققوا أهدافهم الأساسية، ثم جاء الإعلان عن التحالف الإسلامي كقرار إستراتيجي أيضا للقضاء على كل من يستخدم الإسلام زورا وبهتانا من أجل تبرير وشرعنة أي كيان مذهبي يراد إنشاؤه على حساب وحدة وسيادة الدول العربية. مراجعة الخطاب الديني ورأى الحسيني أن الخطاب الديني كله يحتاج إلى تجديد. فالإسلام ليس دين الجمود بل هو دين الحوار والاجتهاد. وهنا يكمن دور العلماء، ولكن يجب التمييز بين دعوات التجديد وبين الخبثاء الذين يريدون هدم الدين من الداخل. لذلك ينبغي أن يتولى الأمر أصحاب الشأن والاختصاص في الدول الإسلامية بإشراف ورعاية الدول والحكومات. طهران تدعم القاعدة قال الحسيني إن العالم كله يشكو من الإرهاب والعرب هم أول المتضررين منه، والمجتمع الدولي يطلق الحملات والحروب من أجل دحر الإرهابيين الذين جعلوا لأنفسهم دولة في العراقوسوريا مع امتدادات إلى عدد من الدول العربية والإسلامية. هذه الحملات لم تفلح حتى في تهشيم هذا الإرهاب. والسبب الأول لنشوء التحالف الإسلامي من أجل إنجاز هذه المهمة. أما السبب الثاني فإنه في إطار مكافحة الإرهاب يوجه الغرب وبعض العرب الاتهام إلى الإسلام بوصفه المسؤول عن هذه الآفة، وتتدخل دول إقليمية مثل إيران لتزعم أن دول الخليج تتبنى الفكر المتطرف، وقد أقيمت مراكز دراسات ومؤسسات بحثية لترويج هذه الأكاذيب. علما أن طهران هي أول من دعمت تنظيم القاعدة، وهي التي استفادت مع حليفها في سوريا بشار من خدمات داعش. لذا توجب أن يتولى المسلمون بأنفسهم مهمة التصدي للإرهاب والقضاء عليه. والسبب الثالث هو أن الوقود الذي تستخدمه التنظيمات الإرهابية هو من أبنائنا وإخواننا الذين ضلوا السبيل، فمن الأولى استعادتهم إلى جادة الإسلام، دين الرحمة والاعتدال والحوار.