لم يكن ضرب امرأة بالأوراق لرجل يبلغ من العمر 68 عاما كافيا لإخماده، لأنه استطاع أن يحول مهمة بدايته إلى بداية مهمته، ويكرس شخصية شخصه في شخص شخصيته، حتى تمكن من عبور 36 عاما بأداء أخذ طابع الصيرورة. هو موطن الائتلاف والاختلاف.. ابن العاصمة الإيطالية روما.. إنه «ماريو دراغي» وما أدراك ما «ماريو دراغي»؛ الاسم الحاضر باستمرار في قوائم الشخصيات العالمية البارزة، والمنتشر في الكثير من مجالس إدارات الشركات الاقتصادية والبنوك، والمشارك في العديد من المجموعات المالية حتى بات السؤال - الذي ربما يكون منطقيا - يلاحقه، متى تنام؟ ولأن ليل الرجل نهار، ونهاره سرمدي.. اتفق عليه معظم رؤساء دول أوروبا رغم تبايناتهم السياسية ليكون مهندس منطقة اليورو الاقتصادي، وطوق نجاتها من الجمود الذي كانت تترقب دخوله في عام 2011 من خلال تعيينه رئيسا للبنك المركزي الأوروبي. تلك الرغبة المشتركة تعود جذورها إلى عام 1993؛ عندما أنقذ بلاده من كارثة مالية عبر خصخصة قطاعات كبيرة مما تمتلكه الحكومة الإيطالية آنذاك؛ فتحول بذلك العمل إلى بطل قومي قبل أن يقدم خدمة أخرى لوطنه عبر جهود بذلها لضمها إلى «اليورو». كما أن التوافقية الأوروبية جاءت في أعقاب أخذ الثقة من قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في 2007؛ عندما اختارته لرئاسة مجلس الاستقرار المالي المعني بصياغة القواعد المصرفية العالمية ذات العلاقة بأزمات الحسابات الجارية، والديون السيادية العالمية. ولم يخب ظن أصحاب «اليورو»؛ فكان لهم ما أرادوا عندما أخذ مشروع التسهيل الكمي لانتشال قارته التي بات يسميها الاقتصاديون ب «القارة المريضة»، ودعمها بتمديد تاريخ إعادة شراء الديون بعد مفاوضات ومعارك مع رؤساء الدول في ظل تحرك متواصل لإيقاف هبوط الأسعار من أجل العمل على تصحيح مسار التضخم دون المساس بأسعار الفائدة، وكأنه يترجم مضامين معاهدة «ماستريخت» إلى واقع. هذا الأداء الاستثنائي حقنته خبرة بدأت في عام 1979 حين نال درجة الدكتوراة بإشراف مباشر من عالمين حصلا على جائزة نوبل للاقتصاد قبل أن يمثل بلاده في البنك الدولي إلى أن تم اختياره أمينا عاما لوزارة المالية في بلاده قبل أن يدخل في صراعات مباشرة مع وزير المالية آنذاك «جوليو تريمونتي» ليترك على إثرها الأمانة العامة في 2001. ورغم أن الكثير من الاقتصاديين يجدون في «اليورو» تجربة يمكن خوضها على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي العربي؛ إلا أن «دراغي» دائما ما يقول: «أعترف بأن اليورو لم يصل بعد إلى مرحلة الاتحاد النقدي الحقيقي».