النور بصيرة، والنور هدى، والنور علم ومعرفة، والنور توفيق. والنور من صفات المؤمنين، (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)، ويكفي النور سموا أن الله سبحانه سمى به نفسه ونسبه إلى ذاته، (الله نور السموات والأرض) (وأشرقت الأرض بنور ربها) (يهدي الله لنوره من يشاء). النور، لعله من أجمل ما خلق الله لنا في هذه الدنيا، وهو أجمل ما تحظى به العين، فما العين بلا نور!!! صلاح الدين بن يوسف الكحال، من أطباء العيون المسلمين في القرن السابع الهجري وهو من الأطباء المشهورين في عصره، وضع كتابا عن طب العين سماه (نور العيون وجامع الفنون)، الكتاب مشهور في مجاله العلمي ويتميز بكونه يجمع كل ما قاله الأطباء السابقون، من أيام قدماء اليونان كاقليدس وجالينوس إلى العصور الإسلامية، ومزود برسوم توضيحية لتشريح العين وشرح آلية الإبصار ونظرية انكسار الضوء، مع رسوم تصويرية للأدوات التي كانت مستعملة في جراحة العين، مما جعل الكتاب أشبه بموسوعة متكاملة في طب العيون، واكتسب أهمية علمية حتى صار مرجعا علميا مهما في مجاله. الكتاب لا يقتصر على الجانب الطبي فحسب، فهو يتضمن أيضا نظرات تأملية وتحليلية لجوانب مختلفة تتعلق بالعين، فهو يبدأ بتعريف معنى اسم العين، وطبيعتها وصفاتها وألوانها، ثم يتطرق إلى علم الفراسة، والاستدلال على سمات شخصية الإنسان من خلال شكل العين ولونها، كقوله: العينان الغائرتان تدلان على ذكاء صاحبهما، والعينان الجاحظتان تدلان على الوقاحة والجهل، والعيون السوداء شديدة السواد تدل على الجبن، والكثيرة الحركة تدل على الاحتيال، وإن كانت العينان صغيرتين زرقاوين دل ذلك على قلة الحياء والاحتيال، وهكذا يمضي في تحليل واستعراض جميع أشكال العيون وألوانها. ثم ينتقل إلى الحديث عن الجفون والحواجب والأهداب، وأثناء ذلك يسعى إلى تحليل وتعليل ما قد يثير الاستغراب ويبعث على التساؤل، مثل لم حركة الجفون غير متماثلة، الجفن العلوي يتحرك أما السفلي فساكن؟ أو لم يتحرك الجفن إلى أعلى بعضلة واحدة وإلى أسفل بعضلتين؟ وبالنسبة للحواجب، فإنه حين يتحدث عنها يذكر أن فيها حماية للعين، فهي تقي العين أن يسقط عليها من الرأس ما يؤذيها كالدهن وغيره، كما يعلل عدم نمو شعر الحاجب واستطالته كاللحية، بأنه لو طال لانسدل فوق العين وستر الحدقة فحال بينها وبين الإبصار. أما الأهداب فإنه يثير التساؤل حول كونها لا تشيب؟! ويعلل ذلك بان الأهداب في حركة مستمرة، وأن دوام الحركة من شأنه أن يحدث حرارة، والحرارة تقضي على الرطوبة الموجبة للشيب، وعدم شيب الأهداب هو لسلامة العين فلو شابت الأهداب لأضعفت الإبصار وبددته. كتاب (نور العيون) فيه فن وجمال، إلى جانب ما فيه من علم ومعرفة، وكم في تراثنا من الروائع.