د. عبدالله بن محمد مطر محام وأكاديمي متخصص في قوانين مكافحة الإغراق والدعم الحكومي أطلعت على الخبر الخاص بإعلان وزير البترول والثروة المعدنية عن أن المملكة تدرس رفع بعض برامج الدعم على الوقود محليا، والحقيقة أنني من الداعمين لهذه الخطوة الإيجابية والتي سيكون لها مردود إيجابي للعديد من الأسباب. ولعله من الضروري مبدئيا أن ننظر تاريخيا عندما بدأت المملكة العربية السعودية المفاوضات الشاقة والطويلة التي استمرت لما يقرب السنوات العشر من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث تحفظت المملكة على الشروط الخاصة بوقف برامج الدعم الحكومي الداخلي وطالبت بأن يستمر دعمها للزراعة لمدة عشر سنوات بالإضافة إلى استمرار أنواع الدعم المختلفة الأخرى محليا سواء عن طريق دعم الكهرباء أو الوقود أو دعم الصناعات المحلية وغيرها من أنواع الدعم المختلفة الأخرى. ولعل المملكة هدفت من ذلك لأن يكون هناك نوع من أنواع الاستقرار في أسعار السلع الاستهلاكية بصفة عامة للمستهلك النهائي للسلعة بالإضافة إلى المساهمة في استقرار التكاليف المعيشية بصفة عامة محليا. ومن المعلوم أن منظمة التجارة العالمية تشترط وفقا لنص المادة السابعة والعشرين من اتفاقية مكافحة الدعم والتدابير التعويضية أن يستمر الدعم الحكومي في الدول النامية الراغبة في الانضمام لفترة محدودة قد لا يتجاوز في مجمله السنوات العشر. إلا أن المملكة لا تزال مستمرة في سياساتها الخاصة بالدعم والذي تمت الإشارة إليه في أحد التقارير الصادرة من منظمة التجارة العالمية مؤخرا والتي لا تتعارض وسياسات المنظمة والتي تستنفد فيها الكثير من المقدرات ولم يتحقق منها الأهداف المرجوة لأجلها ولها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني بصفة عامة. وبصفتي قانونيا متخصصا في قوانين الدعم الحكومي ولست اقتصاديا، إلا انني أرى أن هناك صعوبة حاليا في استمرار هذه البرامج لعدة أسباب راجعة إلى انخفاض أسعار النفط من جهة والتي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني بشكل كبير، وكذلك لما لهذه البرامج من تأثير سلبي على التعاملات التجارية الدولية مع المملكة أثناء عمليات التصدير وخصوصا فيما يخص قضايا مكافحة الإغراق لوجود ارتباط وثيق بين مكافحة الإغراق والدعم الحكومي في تحديد الأسعار. وبالنظر إلى القضية التي قامت بين كنداوالبرازيل في نهاية التسعينيات، نجد أن كندا استطاعت إجبار البرازيل بفرض رسوم مكافحة الدعم الحكومي على الطائرات الخاصة بها نظرا لأن البرازيل لديها برامج دعم مباشرة تؤثر على السعر الخاص بتلك الطائرات مما يؤثر على المنافسة داخل السوق الكندية بشكل غير عادل. وأشارت كندا في دعواها المقامة أمام منظمة التجارة العالمية إلى أنه حتى ولو سمح للدول النامية بالدعم، فلابد ألا يتم تصدير هذا الدعم للخارج وأن يبقي داخليا. وأعتقد من وجهة نظري أنه كان على البرازيل فرض (رسوم تصدير خاصة) للأبقاء على فوائد الدعم داخليا وعدم تصديره، وهو ما فعلته الصين في فرضها ضريبة تصدير لمنتج اليوريا من أجل تصدير هذا المنتج خارج الصين دون أن يواجه أي قضايا خاصة بمكافحة الإغراق أو الدعم الحكومي. وبالعودة إلى الدعم الحكومي للوقود في المملكة والذي تتجاوز فاتورته المليارات من الريالات سنويا، نجد أن المحتاج لهذا الدعم لم يستفد سوى بالقليل جدا، فالمواطن المحتاج إلى هذا الدعم يقف في محطة الوقود ليملأ سيارته بالوقود في الوقت الذي يكون التاجر بسيارته الفارهة في المحطة نفسها ويملأ سيارته أيضا بوقود مدعوم، وقس على ذلك الأشكال المتعددة للدعم التي لا تصل إلى الشريحة المستهدفة بالشكل المطلوب وتحقيق الأهدف الذي شرع لأجله هذا الدعم! أضافة إلى ذلك فإن المملكة تبيع الوقود محليا بأقل من سعر التكلفة وفي ظل عدم وجود ثقافة استهلاك سليمة تعي مدى أهمية ما تقدمه الدولة. ونظرا لانخفاض اسعار النفط حاليا، فمن الضروري الخروج ببدائل تشريعية واقتصادية مناسبة للمرحلة القادمة تكون أكثر فاعلية مما ستعود بالنفع على الجميع. ومثال على ذلك ما قام به رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون حينما رفع الضرائب من أجل القضاء على الديون المتراكمة على الدولة خلال جدول زمني محدد. ولعله يمكن اصطياد عصفورين بحجر واحد عن طريق خفض أو رفع الدعم بشكل كامل تدريجيا، وإعادة توجيهه إلى المحتاجين بالشكل المطلوب مما سيكون له فائدة أكبر لهؤلاء المستفيدين. وفي الوقت نفسه سوف يساعد هذا الخفض أو الرفع التدريجي على أن تكون المنافسة حقيقية داخل السوق ودون أي تأثير على الأسعار بهذا الدعم. فإذا كانت الدولة غير متجهة إلى رفع الدعم في الوقت الحالي، فهذا لا يعني أن تتحمل الدولة قيمة التكاليف الخاصة لهذه السلع. فلابد على الأقل أن يصل الوقود مثلا إلى المستهلك بسعر التكلفة، والكهرباء أيضا بسعر التكلفة وألا تتحمل الدولة عبء تكاليف هذه السلع. وهذا أيضا لا يعني ألا يكون هناك رؤية واضحة وخطط إستراتيجية للرفع التدريجي للدعم الحكومي داخليا. في المقابل لا بد أن يكون هناك أجهزة رقابية فيما يخص حماية المستهلك وتشريعات قانونية تتضمن عقوبات صارمة على رفع الأسعار غير المبرر. بعد الرفع التدريجي للدعم ، لا بد أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بدورها الفعلي بعد إيجاد نظام قانوني واضح ودقيق، بتوجيه الدعم للمحتاجين من ذوي الدخول المحدودة عن طريق منحهم مثلا قسائم للوقود وللكهرباء يتم صرفها لهم شهريا، وهو ما سيساهم في ترشيد الاستهلاك للمستهلك لهذا الدعم من جهة وفي تخفيض نفقات الدعم من جهة أخرى بتوجيهه للمستحقين فقط. أيضا سوف يبحث المستهلكون وقتها على البدائل المتوفرة حاليا في التنقل مثلا لحين الانتهاء من المواصلات العامة، كأن يذهبون إلى أعمالهم جماعيا وكذلك تقليص أعداد السيارات لدى كل عائلة..إلخ من الأشكال المختلفة للترشيد الاستهلاكي للطاقة.