ظل الحديث طوال السنوات الماضية يدور حول مسألة رفع قيمة الرواتب التقاعدية فقط (المدنيين والعسكريين) لكن فئة قليلة من المنظرين الاجتماعيين والاقتصاديين كانت تدرك الخطورة الكبيرة التي كانت تنتظر مستقبل هذه الصناديق الوطنية وذلك في ظل الفجوة المتزايدة بين قيمة الاشتراكات الفعلي وقيمة المنافع المقدمة حتى في ظل الرواتب التقاعدية الحالية التي يرى البعض بأنها لا تكفي. الفجوة تزداد عاما بعد آخر والدراسات تشير إلى أن هذه الفجوة سوف تعرض مستقبل هذه الصناديق للخطر الكبير رغم أهميتها الاستراتيجية البالغة والمتعلقة بحقوق الغير مباشرة . على سبيل المثال وفي ظل المنافع الحالية تشير إحدى الدراسات إلى أن الغطاء المطلوب لتقاعد المدنيين يمثل 33% بدلا من 18% حاليا، والعسكريين 78% بدلا من 22% حاليا، والتأمينات 28% بدلا من 18%، لكي تتعادل المنافع مع الإيرادات فقط، وعليك أن تتصور هذه الفجوة التي يتم ترحيلها ومن أين سوف تدفع فروقاتها خصوصا وأن هذه النسب المذكورة تزداد تباعا وتزداد معها تكاليف حلولها عاما بعد آخر. في عام واحد اقترض صندوق التقاعد العسكري 6 مليارات من الصندوق المدني وحصل على إعانات ترقيعية بمبلغ 14 مليارا وهكذا. إحدى الدراسات الإكتوارية تشير إلى أن العجز المتوقع في ظل هذه الفجوة الكبيرة بالنسبة للعسكريين سيبلغ 373 مليارا عام 1442 أما بالنسبة للمدنيين فإن الفجوة تصبح أكثر خطورة حيث سيبلغ العجز رقما خرافيا في عام 1459 وهو ما يوازي 1049 مليار ريال أي ما يتجاوز موازنة البلاد بكثير فمن أين سوف يتم تأمين هذه المبالغ التي تتراكم عاما بعد آخر وما الحلول التي سوف تنتظر هذه الإشكالية القادمة والمرحلة إلى المستقبل بتكاليف أكبر. هل سوف تقوم هذه الصناديق بتسييل أصولها التي بنتها في سنوات طويلة وبعد نفادها تنتظر الدعم المباشر من الدولة والتي قد لا تكون قادرة ماليا حينها؟ أم تطلب رفع الاشتراكات على المواطنين وهنا يكون التأثير مؤلما على المواطن مباشرة. ثمة خلل بنيوي في أنظمة هذه الصناديق أولها نظام التقاعد المبكر الذي ألغي في كل دول العالم لكنه بالمقابل توسع في المملكة والثاني هو نقص السنة الهجرية عن الميلادية حيث يبلغ سن التقاعد 58.2 سنة مقارنة ب 60 سنة في أنظمة العالم أجمع . لا يوجد حلول إلا في إعادة إنتاج أنظمة هذه الصناديق وفق هذه الدراسات الاكتوارية المعمول بها عالميا لتكون الإيرادات متوازية مع المصروفات أو تحديد مصدر للفروقات كإقامة صندوق احتياطي للتقاعد وهو المقترح الهام الذي سبق وأن طرحه معالي الأستاذ سليمان الحميد في الدراسة المقدمة لمجلس الشورى والذي يقترح تمويله من فوائض الدولة المالية وهو النظام المعمول به في صندوق معاشات التقاعد في النرويج على سبيل المثال.