في العام 2010م دقت وزارة التخطيط ناقوس الخطر بعد أن أصدرت إحصائية تبين فيها أن عدد الفتيات العوانس في المملكة بلغ مليونا و529 ألفا و418 فتاة، وأثار هذا العدد الضخم حينها جدلا واسعا على الصعيد الاجتماعي والأكاديمي والإعلامي، خاصة أن تلك الإحصائية تبعتها بفترة وجيزة دراسة علمية خلال نفس العام أعدها أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالله الفوزان، ووضعت دراسته تقديرا باحتمال ارتفاع عدد العانسات السعوديات من مليون ونصف المليون عانس إلى أربعة ملايين خلال خمس سنوات في حال استمرت معدلات الزيادة بنفس الوتيرة، وهذا ما حدث على ما يبدو بعد مرور الخمس سنوات، فقد أكدت دراسة حديثة أجراها مؤخرا عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية الدكتور علي الزهراني لصالح جمعية «أسرتي» ارتفاع نسبة العنوسة في المملكة إلى 4 ملايين فتاة العام الجاري 2015. وفي الواقع، قد لا يكون هذا الرقم دقيقا، إلا أن هناك مؤشرات على ارتفاع معدلات العنوسة، من بينها ارتفاع نسب الطلاق إلى معدلات قياسية، بلغت 33% من إجمالي عقود الزواج المبرمة خلال العامين الماضيين، كما أن 18% من حالات الزواج باتت تنتهي بالطلاق، وبحسب بيانات رسمية صادرة عن العام الماضي 2014 فإن معدل حالات الطلاق المسجلة بلغ 7 حالات مقابل كل 10 حالات زواج جديدة، بالإضافة إلى جهود الباحثين التي استشرفت تنامي ظاهرة «العنوسة»، والدراسات الرسمية التي أعدتها وزارة التخطيط منذ عام 1424ه، إضافة إلى التحذيرات التي أطلقها المختصون والمهتمون في هذا الشأن منذ عدة سنوات من خلال الملتقيات والندوات والمنتديات التي عقدت طيلة السنوات العشر الماضية، كل هذه المؤشرات أعطت دلالة كافية على حجم الظاهرة وإدراك مدى انعكاساتها السلبية على استقرار المنظومة الأسرية والأمن الاجتماعي. وبالرغم من التحذيرات المبكرة التي قاست وقدرت تطور معدلات «العنوسة» وما ستصل إليه خلال خمس سنوات، لم يقابلها توجهات فاعلة للتصدي والحد من هذه الظاهرة، ولا ننكر هنا جهود المسؤولين الذين قدموا العديد من الحلول خلال السنوات الماضية، ومنها ما أقره مجلس الشورى من تعديلات على بعض مواد مشروع نظام زواج السعوديين في جلسته السابعة والثلاثين قبل عامين، لتسمح بعدد من التسهيلات النظامية للزواج بغير السعوديين، ووضع ضوابط من قبل وزارة العدل حول زواج القاصرات، بالإضافة إلى مشاريع تمويل ودعم الزواج الجماعي من قبل المسؤولين وعدد من الجهات الرسمية، وإطلاق برامج للتوعية وتفعيل ودعم لجان إصلاح ذات البين في وزارة العدل، والجهود المبذولة في مكافحة العنف الأسري ونشر التوعية الحقوقية للمرأة، ولكن بالرغم من ذلك، ما زالت قضيتا ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة مستمرتين وفي زيادة اطرادية دون جدوى ملموسة للحلول والجهود المقدمة، وذلك يعود لأسباب عديدة، من أهمها أن الجهات المعنية بادرت بالحلول قبل تحليل المسببات بالشكل الكافي. رواد شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلوا مع دراسة الدكتور علي الزهراني بشكل مكثف، وأسسوا «وسما» بعنوان: «#ثلث_السعوديات_عوانس»، طرحوا من خلاله 28 ألف تغريدة خلال ال24 ساعة الأولى، وكل من عانى من العنوسة، ذكورا وإناثا، أدلوا بدلوهم عبر «الهاشتاق»، وحددوا لنا العديد من الأسباب التي تقف خلف ظاهرة العنوسة أو تزايد حالات الطلاق مثل غلاء المهور، أو العضل، أو عدم تكافؤ النسب، أو استقلالية الفتيات وعمل المرأة، أو فرض زواج الأقارب فقط، أو البطالة ومحدودية الدخل، أو الحالة الاجتماعية، أو تدخلات الأهل، أو الفارق العمري، أو مستوى التعليم، أو الخوف من التعدد، أو العنف الأسري، أو الأمراض الوراثية، أو الشذوذ أو تعاطي المحرمات، أو الترف... إلخ، ولكن على أرض الواقع، وبالرغم من أننا ندرك «سطحيا» الكثير من هذه الأسباب ولكن لا توجد دراسات بحثية مكثفة من قبل جهات رسمية تتعاطى مع هذه المسببات بدقة، لتعطينا معلومات أوضح وإجابات أدق حول العديد من هذه الأسباب، فالدراسات البحثية في هذا الشأن شحيحة بكل تأكيد، وهي نتيجة طبيعية لغياب مراكز الفكر «Think Tanks» من ناحية، ولمحدودية الدراسات البحثية الصادرة عن المؤسسات الأكاديمية الوطنية أيضا. وفي رأيي الشخصي، التصدي لهذه الظواهر الاجتماعية المؤرقة ينقصه منذ سنوات مركز وطني لأبحاث الأسرة، يهدف عبر نتاجه البحثي المكثف إلى التخطيط الاجتماعي وهندسة تشكيل احتياجات المجتمع وتهيئته وفقا لظروف العصر، لأن المطالبة بدعم هذه النوعية من الدراسات يعجل بمعرفة أهم الأسباب الحقيقية خلف زيادة نسبة العنوسة وغيرها من الظواهر الاجتماعية ويسهل من معالجتها قبل أن تتفاقم وتصل إلى الأرقام الفلكية التي بلغناها وما سنجنيه من تبعياتها.