قال أحمد شوقي أمير الشعراء: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا. نعم هكذا عرفت لأول مرة الفقيد الشيخ علي عبدالله الجفالي (يرحمه الله) عندما شاء الله أن أتشرف بمقابلته ذلك اليوم في عام 1419ه. عرفت من ذلك اللقاء أنه وفي لأستاذه الذي علمه وتخرج على يده من مدرسة الفلاح رغم مرور عقود من الزمن على تخرجه وكان آنذاك قد شاب وملأ رأسه الوقار. موقفي معه علمني معنى الوفاء للمعلم الذي يعلمك ويدرسك مهما طال الدهر فأنت تظل تلميذا وفيا لأستاذك. علمني الشيخ علي عبدالله الجفالي معنى حكمة: من علمني حرفا حفظت له الجميل. نعم من لقاء واحد في مدة لم تتعد الدقائق تعلمت الكثير من ذلك الرجل الوفي الذي حفظ الجميل لأستاذه الذي علمه حرفا حتى بعد ممات أستاذه. لم أتشرف بمعرفة الشيخ علي عبدالله الجفالي قبل فجر ذلك اليوم 15/10/1419ه، الموافق 1/2/1999م، فبينما كنت خارجا من مسجد العيسى في حي الحمراء عقب صلاة الفجر في ذلك اليوم ، وإذا برجل طاعن في السن يسنده ابنه وهو ينزل من درج المسجد، عبرت أمام الشيخ الجليل وألقيت عليه تحية الإسلام، ولما وقع نظره علي استدعاني إليه وسألني: هل أنت ابن السيد معتوق، قلت: نعم، ثم سألني عن شقيق والدي عمي السيد حسن فقلت له إن عمي قد توفي منذ أكثر من عقد من الزمن ادع له بالرحمة، فرد علي الشيخ قال: يا بني لو وضعت كنوز الدنيا في كفة وعمك السيد حسن في الكفة الأخرى لا تزن وزن عمك، فوجئت من الشيخ وهذا الثناء على عمي فكان سؤالي: لماذا هذا الثناء على عمي رغم أنك لم تره منذ زمن طويل؟ رد علي الشيخ وقال: عمك حسن علمني أقرأ وأكتب في مدرسة الفلاح يا بني، واستشهد ببيت أمير الشعراء أحمد شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا. هكذا كان مقام الأستاذ في عهد الشيخ الجليل. ولكنني يا عمي أغبطك على هذا الموقف، فقال الرجل: لماذا تغبطني يا ابني، قلت: لأنك تعرف أبي وعمي دون أن أتشرف بمعرفتك من قبل، فرد علي في وفاء نادر قائلا بكل تواضع: أنا علي عبدالله الجفالي فأخذت برأس الشيخ أقبله، وسلمت على ابنه موجها حديثي للشيخ: سبحان الذي جمعنا وإياكم في أطيب وأكرم ساعة عنده، وأحمده سبحانه وتعالى الذي جمعني بأحد أصدقاء عمي ووالدي الأوفياء الذين ما زالوا رغم طول الزمن يتذكرون والدي من وجه أحد أبنائه ويتذكرون فضائل أساتذتهم، ذلك أن هذا شيء عظيم لا تجده إلا عند أفاضل الناس. ودعت الرجل وابنه وأنا في أوج التقدير للشيخ الجفالي على هذا الوفاء الذي أصبح عملة نادرة جدا في زمننا هذا. يرحمك الله ويسكنك فسيح جناته يا علي عبدالله الجفالي. هذه لمسة وفاء.