لسنا بحاجة لتمحيص واقعنا كي نقف على حقيقة ما حل بنا من ركود سياسي، فإن كان المختصون في الشؤون الاقتصادية يعرفون الركود الاقتصادي بأنه تراجع في النمو الاقتصادي ينبع من زيادة في الإنتاج تفوق معدل الاستهلاك، والذي بدوره يقود السوق إلى مرحلة الكساد بما تعنيه من تكدس البضاعة وعدم القدرة على تسويقها، فالركود السياسي الذي تعاني منه القضية الفلسطينية يتقاطع في تعريفه مع الركود الاقتصادي، على مدار السنوات السابقة كثرت المبادرات والاقتراحات لوضع نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن الواضح أن المجتمع الدولي لم يستطع تسويق منتجه لحل القضية الفلسطينية بفعل التعنت الإسرائيلي، وبات جليا أن الإدارة الأمريكية لم تعد اليوم معنية بتسويق منتجها الذي حمل أسماء عدة، ولم يعد وزير خارجيتها يقوم بجولات مكوكية كما كان عليه الحال في السابق، وفرنسا تراجعت عن مبادرتها الأخيرة قبل أن ترى النور، وفي ظل ذلك حاول الرئيس القبرصي مؤخرا أن يحرك المياه الراكدة، وبطبيعة الحال تعلم قبرص جيدا أن مكانها في لعبة السياسة الدولية لا يتعدى مقعد المتفرج، وليس باستطاعتها أن تقفز من مكانها لتكون ضمن الفريق المتحكم بمقاليد اللعبة. لا شك أن حالة الركود التي يعاني منها واقعنا السياسي تأتي بفعل ضرب حكومة الاحتلال عرض الحائط بكل المبادرات التي يمكن لها أن تقضي إلى وضع نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن الحقيقة التي لا يمكن لنا تجاهلها أننا نحن من سهل الأمر على حكومة الاحتلال، بفعل الانقسام الفلسطيني الذي صنعناه بأيدينا ومازلنا عاجزين عن الخروج من متاهته وتراجعت بسببه مكانة القضية الفلسطينية في سلم أولويات الأمة العربية، ما يجدر الانتباه إليه أن الركود السياسي يرافقه نشاط محموم من قبل حكومة الاحتلال، من خلال خلق وقائع جديدة على الأرض وتوسيع الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يكفل لها وأد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة. سبق لوزير خارجية أمريكا السابق «جورج شولتز» أن قال بداية عام 1987 أن القضية الفلسطينية دخلت الثلاجة، فجاءت الانتفاضة الأولى لتعيد قلب أوراق السياسة الدولية من جديد وتفرض القضية الفلسطينية على أجندة اهتمامات المجتمع الدولي، وهي التي دفعت شولتز ذاته لأن يؤسس حوارا دبلوماسيا مع منظمة التحرير الفلسطينية، نحن دون سوانا من باستطاعته أن يعيد فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي، ويتطلب ذلك منا أولا أن ننهي الانقسام البغيض وأن نتفق على برنامج وطني نواجه به غطرسة حكومة الاحتلال.