الزيارة التي قام بها سمو ولي ولي العهد، وزير الدفاع على رأس وفد كبير إلى روسيا، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حظيت بقدر كبير من الاهتمام على المستوى الإقليمي والدولي، إذ رأى فيها الكثير تصميم القيادة السعودية على التحرك في جميع الاتجاهات لحماية مصالحها وأمنها الوطني، ولتأكيد استقلالية إرادتها وسعيها إلى مد جسور التواصل مع كل المؤثرين والفاعلين في الأمن الإقليمي والشركاء المحتملين لإيجاد تفهم ينهي حالة التوتر والاضطرابات التي تجتاح المنطقة . وليس خافيا أن القيادة السعودية تقود تحركا نشطا لتشكيل موقف صلب، نواته دول مجلس التعاون الخليجي للوقوف في وجه الأطماع الإيرانية التي تستغل حالة «السيولة»، ومظاهر فشل الدولة في أكثر من بلد عربي لتقوية نفوذها وزيادة تأثير من يدور في فلكها من المجموعات والأحزاب التي ارتبطت بها لأسباب طائفية أو مصالح ضيقة قفزت على المصالح الوطنية وباتت تشكل خطرا على الأمن العربي المشترك.. وقد تجلى هذا التصميم والتحرك السعودي في إطلاق عاصفة الحزم وما تلاها من أحداث، فالمملكة عازمة على المضي في هذا الطريق حماية لأمنها الوطني وتحصينا للجبهة العربية ضد الاختراقات المهددة للأمن القومي.. والتقارب السعودي الروسي فيه العديد من الإشارات والدلالات، على أكثر من مستوى، لعل من أبرزها أن المصلحة الوطنية العليا هي الهدف الأسمى الذي يدفع للتعاون والتعامل مع كل الدول، مهما كانت اختلافات وجهات النظر. وروسيا لاعب مهم في السياسة الدولية والتأثير الإقليمي، والتعامل معها على مستوى المصالح يؤكد النظرة العملية «البراجماتية»، فليس هناك حواجز أو موانع تحول دون التفاهم مع أحد شريطة أن يكون الهدف هو تحقيق المصلحة الوطنية.. صحيح أن روسيا لها مواقف لا تتفق مع مواقف المملكة في بعض القضايا مثل الموقف من نظام بشار، لكنها أيضا دولة تراعي مصالحها وتقرأ خارطة الأحداث ومؤشرات المستقبل وتتحرك وفق تحقيق أهدافها. وعند هذا المستوى تلتقي مع المملكة ويمكنها تطوير هذا الالتقاء ليصبح شراكة تنجز في إطارها تفاهمات مؤثرة تسهم في معالجة العديد من قضايا المنطقة. وموسكو لديها قابلية التحرك في هذا الاتجاه، فهي حريصة على حضورها في المنطقة وتعمل على زيادة استثماراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وليس لديها عقدة «العظمة» التي تمنعها من سماع من يعرض عليها استمرار صداقتها للدول والشعوب العربية، وفسح المجال أمامها لتوسيع منافعها على مستوى الطاقة التقليدية (البترول) والمتجددة (النووية) وتوجيه رؤوس الأموال إلى أسواقها وزيادة التبادل التجاري، وكلها عوامل وأسباب تساعد على تفاهمات تسهم في معالجة القضايا السياسية المختلف حولها. ومن هذا المنظور يمكن القول إن الزيارة تفتح الآفاق لمرحلة جديدة من التعاون ستؤثر على المنطقة بما يقلل من التوترات والاحتقانات.