قبل مدة، اتصل بي أحد المتشددين في الصباح الباكر، وكأنه أراد أن يتشفى بي، وفي العادة يبدأ هو اتصالاته: بالسلام عليكم، ولكنه في هذه المرة بدأ كلامه بسؤال صادم عندما قال: هل تعلم أننا نعيش في زمن (الرويبضة)؟!، فاضطررت أن اسأله وأنا ما زلت أتثاءب وأفرك عيني لكي أطرد أحلام المنام قائلا: ومن هو الرويبضة يا رعاك الله، فقال لي بدون تردد: هم الذين على شاكلتك، وبدون أن ينتظر ردة فعلي عاجلني متسائلا بألم: هل وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة من عدم الغيرة إلى الحد الذي نسمح فيه لبناتنا أن يشتركن بمسابقات الألعاب الرياضية في الخارج ؟!، لا وفوق هذا نحن فرحون؛ لأن بناتنا قد حصلن على بعض (الميداليات)، فعلا إنه والله لعجب العجاب!!. لا أريد أن أطيل عليكم، فالرجل قد التبس عليه الأمر، ولم يفرق بين (الرياضيات) العلمية وبين (الرياضات) البدنية، وانطبق عليه المثل الحزين القائل: (كله عند العرب صابون). الخلاصة التي فهمتها منه أنه قرأ الخبر التالي: حققت المملكة من خلال مشاركتها في مسابقة أولمبياد الرياضيات للبنات في بيلاروسيا المركز 17 من بين 30 دولة مشاركة من مختلف دول العالم، كما حصلت على الميدالية البرونزية. فاستشاط أخونا بالله غضبا، والحمد لله أنه كان يسكن في حي (الصفا)، وأنا أسكن في حي (الشاطئ)، والمسافة بيني وبينه لا تقل عن عشرة كيلو مترات، ولولا ذلك لأمسك بخناقي. حاولت تهدئته موضحا أن البنات قد اشتركن بمسابقة علمية بحتة، وعليك أن تفخر بما حققنه. رد علي وقد ازداد غضبه أكثر قائلا: حتى لو كان ذلك، على إيه أفخر؟!، هل أفخر ببنات يذهبن و(يتصرمحن) في الخارج، ويشتركن بمسابقات ما أنزل الله بها من سلطان؟!، إذن، يحق لي عندما قلت إنك (رويبضة) من ساسك إلى رأسك، أين الغيرة عندك يا رجل؟!، ألا تستحي على نفسك ؟! عندما وصل بيننا النقاش (البيزنطي) إلى هذا الحد، لم أملك إلا أن أتحلى بالصبر والصمت، وتركته يرغي ويزبد في الوقت الذي كان تفكيري كله منصبا ومتحرقا شوقا إلى الإفطار. وبعد أن تناولت ما تيسر لي من جبن أبيض وخبز أسمر وزيتون أخضر وشاهي أحمر، حمدت ربي على نعمته، وأخذت أفكر في هذا العالم العربي، ومعادلته المضحكة البائسة، ووصلت إلى الحقيقة التالية في بعض البلاد العربية الثورية، وهي الحقيقة التي استند لها أحدهم في مخرجات التعليم ومخرجات السلطة، وهي كالتالي: إن النظام التعليمي في تلك البلاد العربية يؤدي إلى مفارقات عجيبة. فطلاب الدرجة الأولى الأذكياء غالبا ما يذهبون إلى كليات الطب والهندسة. وخريجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات العلوم الإنسانية والقانون، وهم بالتالي يديرون شؤون الدرجة الأولى. وخريجو الثالثة يصبحون ساسة ليحكموا الدرجتين اللتين قبلها. والأقل درجة في التفوق غالبا ما يلتحقون بالسلك العسكري، فيطيحون بمن سبقوهم كلهم عن بكرة أبيهم عبر الانقلابات، ويصبحون هم الزعماء. أما المدهش في السنوات الأخيرة أن الثعالب الجاهلة من غير الرويبضة طبعا دخلوا على الخط وأصبحوا مشايخ يحللون ويكفرون حسب أمزجتهم المريضة، والدهماء من الناس تسير في ركابهم وكأنهم صم بكم عمي لا يفقهون. هل أقرأ الفاتحة؟!. [email protected]