جرمت هيئة كبار العلماء الإرهاب في بيان اصدرته أمس في ختام دورتها ال80 بالرياض الإرهاب، لافتة في منطوق البيان أن الإرهاب يعد جريمة نكراء، وظلما وعدوانا تأباه الشريعة والفطرة بصوره وأشكاله كافة، ومرتكبه مستحق للعقوبات الزاجرة الرادعة، عملا بنصوص الشريعة الإسلامية، ومقتضيات حفظ سلطانها، وتحريم الخروج على ولي الأمر. وجاء في منطوق بيان الهيئة «الحمد الله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وقد نظرت هيئة كبار العلماء ما سبق أن صدر عنها من قرارات وبيانات عن خطر الإرهاب والتحذير منه وتجريم وسائله وتمويله ومنها القرار ذو الرقم 239 وتاريخ 27/4/1431ه والذي وصفت فيه الإرهاب باعتباره: جريمة تستهدف الإفساد بزعزعة الأمن والجناية على الأنفس والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور ونسف الطائرات أو خطفها والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعا. والإرهاب بهذا التوصيف على النقيض من مقاصد هذا الدين العظيم الذي جاء رحمة للعالمين، ولما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل. حيث جاءت شريعته بعمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها. وكانت سماحة هذا الدين العظيم التي هي ضد الإرهاب بتجاوزاته وعدوانه من أبرز أوصاف الشريعة الإسلامية وأكبر مقاصدها وعلى ضوء هذه المقاصد العظيمة للشريعة الإسلامية، تتجلى عظمة هذا الدين وكماله، وأن التطرف والإرهاب الذي يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ليس من الإسلام في شيء. كما استعرضت الهيئة كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الموجهة إلى الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، وما تضمنته من تحذير وإنذار تجاه ما يواجه العالم أجمع من خطر الإرهاب الذي اتخذ ذريعة لتشويه صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته. وما نبه عليه من أن للإرهاب أشكالا مختلفة، سواء ما كان منها من جماعات أو منظمات، أو دول وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها. وقد أخذ على المجتمع الدولي صمته، وحمله مسؤوليته تجاه ما حدث لأهل فلسطين من نكاية العدو وغطرسته، محذرا من نتائج ذلك، وأن من يصمتون عن جرائم الإرهاب سيكونون أول ضحاياه في المستقبل القريب. هذا وإن الإرهاب يعرض مصالح الأمة لأعظم الأخطار، ومن زعم أنه من الجهاد فهو جاهل ضال، فليس من الجهاد في سبيل الله في شيء، والإسلام بريء من هذا الفكر الضال المنحرف بما جره على بعض البلدان من سفك للدماء وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة، وهو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة وبالنظر إلى أعمال الإرهاب، الصادرة عن بعض الجماعات مثل داعش والقاعدة، وما يسمى بعصائب أهل الحق وحزب الله والحوثيين، أو جرائم الإرهاب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، أو الأعمال المجرمة التي تمارسها بعض الفرق والجماعات المنتسبة إلى الإسلام، فكلها محرمة ومجرمة، لما فيها من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة هتك لحرمة النفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها. وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويل له من عذاب الله ونقمته، ومن دعوة تحيط به. نسأل الله أن يكشف ستره وأن يفضح أمره. وعلى ضوء ما حرر أعلاه فإن هيئة كبار العلماء تقرر أن الإرهاب الموصف أعلاه جريمة نكراء وظلم وعدوان تأباه الشريعة والفطرة بصوره وأشكاله كافة، ومرتكبه مستحق للعقوبات الزاجرة الرادعة، عملا بنصوص الشريعة الإسلامية، ومقتضيات حفظ سلطانها، وتحريم الخروج على ولي الأمر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» أخرجه مسلم. فعلى شباب الإسلام التبصر في الأمور، وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة، ترفع لتفريق الأمة وحملها على الفساد، وليست في حقيقتها من الدين وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين، وقد تضمنت نصوص الشريعة عقوبات من يقوم بهذه الأعمال ووجوب ردعه والزجر عن ارتكاب مثل عمله ومرد الحكم بذلك إلى القضاء. وبناء على ما سبق فإن هيئة كبار العلماء تؤيد ما تقوم به الدولة من تتبع لمن ينتسب لفئات الإرهاب والإجرام والكشف عنهم، كداعش والقاعدة والحوثيين وما يسمى بحزب الله، أو ينتمي إلى ولاءات سياسية خارجية لوقاية البلاد والعباد شرهم ولدرء الفتنة وحماية بيضتهم، ويجب على الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذا الأمر الخطير لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله تعالى كما وتحذر الهيئة من التستر على هؤلاء أو ايوائهم فإن هذا من كبائر الذنوب وهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من آوى محدثا» متفق عليه. و «المحدث» في هذا الحديث هو من يأتي بفساد في الأرض فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم فكيف بمن أعانهم أو أيد فعلهم. وتهيب الهيئة بأهل العلم: أن يقوموا بواجبهم، ويكثفوا إرشاد الناس في هذا الشأن الخطير، ليتبين بذلك الحق. كما تستنكر الهيئة ما يصدر من فتاوى أو آراء تسوغ هذا الإجرام أو تشجع عليه لكونه من أخطر الأمور وأشنعها فلا يجوز بحال من الأحوال تسويغ جرائم الإرهاب تحت أي ذريعة، وقد حذر الله من شأن الفتوى بغير علم وحذر عباده منها وبين أنها من أمر الشيطان. ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى أو الآراء التي تسوغ الإرهاب بأي وسيلة كانت، فإن على ولي الأمر إحالته إلى القضاء، ليجرى نحوه ما يقتضيه الشرع نصحا للأمة وإبراء للذمة، وحماية للدين، وعلى من آتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة وبيان فسادها وكشف زورها، ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل، لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب، ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام، ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة، وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من أعظم أسباب تفريق الأمة، ونشر العداوات بينها. لذا فعلى ولي الأمر منع الذين يتجرأون على الدين والعلماء، ويزينون للناس التساهل في أمور الدين والجرأة عليه، ويربطون ما وقع بالتدين والمؤسسات الدينية. وإن هيئة كبار العلماء لتستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط أفكار الإرهاب بالمناهج التعليمية أو بمؤلفات أهل العلم المعتبرة، كما تستنكر توظيف هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح. سادسا: إن دين الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع وأوجب الله ذلك في كتابه وقد علم من الدين بالضرورة وجوب لزوم الجماعة وطاعة من تولى إمامة المسلمين في طاعة الله، لذلك كله تؤكد هيئة كبار العلماء تحريم الخروج إلى مناطق الصراع والفتنة وأن ذلك خروج عن موجب البيعة لولي الأمر وتحذر صاحبه من مغبة فعله ووقوعه فيما لا تحمد عقباه. وعلى الدولة أن تتعقب المحرضين على الخروج إلى مواطن الصراع والفتنة، فهم دعاة ضلالة وفرقة وتحريض على معصية ولاة الأمر والخروج عليهم، وذلك من أعظم المحرمات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» أخرجه مسلم. وفي هذا تحذير لدعاة الضلالة والفرقة والفتنة، وتحذير لمن سار في ركابهم عن التمادي في الغي المعرض لعذاب الدنيا والآخرة. وهيئة كبار العلماء وهي تصدر هذا البيان توصي الجميع بالتمسك بهذا الدين القويم، والسير فيه على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، ووجوب تربية النشء والشباب على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم، حتى يسلموا من التيارات الفاسدة ومن تأثير دعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وحتى ينفع الله بهم أمة الإسلام ويكونوا حملة علم وورثة للأنبياء وأهل خير وصلاح وهدى، وتؤكد على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها، ويزداد الأمر تأكيدا في مثل هذه الأوقات أوقات الفتن، كما نحذر الجميع حكاما ومحكومين من المعاصي، والتساهل في أمر الله، فشأن المعاصي خطير، وليحذروا ذنوبهم وليستقيموا على أمر الله ويقيموا شعائر دينهم ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وقى الله بلادنا وجميع بلاد المسلمين كل سوء، وجمع الله كلمة المسلمين على الحق والهدى، ورد الله كيد الأعداء في نحورهم، إنه سبحانه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.