الشباب هم ذخيرة عالم تكنولوجيا المعلومات، وعلى أكتافهم تتم أغلب الابتكارات والاختراعات الحاسوبية، ففيس بوك وتويتر وجوجل هي كلها نماذج لابتكارات الشباب. ويرى كثير من رؤساء شركات التقنية أن الشباب هم الأكثر ذكاء، كما أن أفضل أعمالهم ما زال أمامهم، بعكس المخضرمين الذين تقع إنجازاتهم العظيمة خلفهم، فتراهم يذكرون أمجادهم الماضية أكثر مما يتحدثون عن أحلامهم التي يسعون لتحقيقها. الشباب يرون المخضرمين على أنهم رموز الماضي، بينما يرى المخضرمون أنفسهم رموزا للتطور والنمو. في وادي السليكون الشهير - على سبيل المثال - يشعر المخضرمون أنه من الأفضل أن ينظر إليهم على أنهم من قليلي الخبرة، صغار السن، فهذا خير له من أن يكونوا ممن ينظر إليهم على أنهم من المخضرمين الذين عملوا مع أكثر من جيل من المديرين والرؤساء. وكثيرا ما يجدون أنفسهم يقومون بعروض تقديمية أمام أعضاء مجالس الإدارات ممن هم في عمر أبنائهم بوجوههم التي تشي ببراءة الأطفال. وكثيرا ما يشعرون بالحرج عندما يظهرون في بيئة العمل بكروشهم الكبيرة ووجوههم المنتفخة مع نظرائهم من الفتيان الصغار الذين يتقافزون كالعصافير، وتراهم لذلك يبذلون جهدا دائما لكي يظهروا في صورة من هم أصغر سنا، حيث يدركون أن مظهر الشباب وأداءه يزيد من فرص استمرارهم في العمل في تلك البيئة الجاذبة للشباب، والطاردة لأمثالهم، فالشباب هو ما يبحث عنه رؤساء شركات التقنية، وخصوصا إذا كان هؤلاء الرؤساء أنفسهم من الشباب. لذا، فكثير من زائري عيادات التجميل في وادي السليكون هم من الرجال وليسو من النساء كما هو معتاد في هذا النوع من العيادات، وأعمارهم حول الخمسين، ويقومون بهذه الزيارات دائما في عطلة نهاية الأسبوع، ويتطلعون فيها لعلاج انتفاخات الوجه وترهل الجلد فضلا عن الأوعية الدموية التالفة، شريطة أن يكونوا في أعمالهم صبيحة اليوم التالي، حيث لا يوجد فرصة لالتقاط الأنفاس، أو للحصول على إجازة. والباحثون عن العمل منهم يضعون على سيرهم الذاتية في فيس بوك صورا شخصية لهم تم التقاطها بذكاء، بحيث يبدون أصحاء نشطين، وذلك تنفيذا لنصائح خبراء الموارد البشرية، والذين ينصحونهم أيضا بأن يقوموا بالتواجد في مكان انتظار السيارات الخاص بالشركة التي سيقومون بإجراء مقابلة شخصية فيها، لكي يلاحظوا ويقلدوا الأسلوب الشائع لارتداء الملابس بين موظفي هذه الشركة. ولنا أن نتخيل النهاية الحزينة التي يصل إليها العاملون في هذه البيئة. فهم عندما يبلغون الأربعينات من عمرهم، أو الخمسينات على أحسن تقدير، يجدون أنفسهم، بكل ما لديهم من خبرة ومواهب وتدريب راق، يتقاضون مرتبات تقل عن شباب العشرينات، أو عاطلين عن العمل، ونستثني منهم من شق طريقه في مجال الإدارة العليا أو من تحول إلى صاحب عمل. إنها بيئة تأكل العاملين فيها لحما وتلفظهم عظاما، ولكنها عظام لو تفحصها الآكلون، لوجدوا أنها لا زالت مكسوة بأفضل اللحم، من وجهة نظر العظام بطبيعة الحال. * أستاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى