إن المؤسسات الناجحة هي التي تتمتع بإدارة بها شيء من التفاهم والمودة والتحلي بالفكر المتسع الذي يمنح مرؤوسيه المساحة الكافية لبذل أقصى جهودهم في تحقيق وإنجاز مهامهم على أكمل وجه، بعد أن يعطي لهم الثقة إثر خطأ ما، بما يتحلى به كمدير حليم.. والمعلوم أن الحلم هو عبارة عن ضبط النفس وكظم الغيظ وحبس الانفعالات النفسية والسيطرة عليها بعيدا عن الغضب والتعصب والحقد والتشفي. الحقيقة يا سادة، أنه يمكن أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، والإنسان الذي يتمكن من الحلم ويضبط نفسه ويضغط على أعصابه فتكون لديه القدرة على العفو.. فإنه يسمو بذاته لصفات النبل، فالحلم حارس أمين يحول بين الإنسان وبين حماقات كبيرة، فنقيض تلك الصفة هو الغضب. فالتحلم يفضي بك إلى أن تتصل بالله.. وقال تعالى: «واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم» الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم.. ويستعتبهم كي يتوبوا ويمهلهم كي ينيبوا، وهو الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم. وكثيرا ما سجلت كتب التاريخ عن شخصيات وأعلام تمكنوا بتحليهم بقدر من التحلم على تحقيق ما لا يتخيله أحد أن يحدث.. فنجد مثلا أن الزعيم «مهاتما غاندي» اتبع سياسة اللا عنف، والحلم على الاستعمار البريطاني في بلاده وقد قال تعيلقا عليها «إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية.. إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان».. وهذا لا يعني السلبية والضعف كما يتخيل البعض بل هي كل القوة إذا آمن بها من يستخدمها وتحلى بها مع قدر من الذكاء والنبل. وقد أوصانا الحبيب المصطفى أن نتحلى بالحلم والمسامحة فيما بيننا وفي كل تعاملاتنا، وقال (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم)، فهي صفة رائعة فكاد الحليم أن يكون نبيا، فالحلم سيد الأخلاق.. فالنبي حينما أدميت قدماه الشريفتان بحجارة الصبية، وجاء جبريل يخبره «إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين»، فرد (أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)، فما أحوجنا إلى الاقتداء برسولنا ذي الخلق النبيل. ويعلق المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج في كتابه «حياة محمد» على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش عند فتح مكة بقوله «كانت تصرفات الرسول في مكة تدل على أنه نبي مرسل، لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو». وخير مثال للسير على طريق النبلاء في وقتنا الحالي، ما ننعم به في مملكتنا التي تتمتع بقيادة رشيدة في ظل حاكم يتصف برجاحة العقل وبفطرة إيمانية ترعرعت في بيئة تحكمها مبادئ الدين الحنيف ومكتسبات السنة النبوية.. تلك القيادة لمسنا في جوانبها الإنسانية المختلفة ما تحمله في طياتها من «حلم» تمنحه للجميع في مختلف مناحي الحياة. [email protected]