تعلمنا قديما عن أسباب اختيارات الإنتاج التلفزيوني أو الدراما لبرنامج بعينه أو مسلسل ما مقولة «المخرج عايز كدا»، وقتها كان للإخراج رؤية فنية يتفرد بها هذا المخرج عن ذاك، وتقدم الإنتاج التلفزيوني مؤخرا إلى إنتاج السلعة المستهلكة من قبل الجمهور، وهي قابلة للربح والخسارة، فتغيرت النظرية إلى «الجمهور عايز كدا»؛ لذلك فهو مضطر إلى المثول أمام نزوات المشاهد واختياراته، وعند إسقاط مقولة «الجمهور عايز كدا» مؤخرا وتصنيف البرامج المشاهدة، نشاهد جمهورا غريب الأطوار والاحتياجات، فعندما ظهرت الدراما التركية وظاهرة مهند اكتشفنا فراغنا العاطفي والحاجة إلى الرومانسية المفرطة، وفي سوق الإنتاج الرياضي وتكاثر البرامج الرياضية المخصصة لكرة القدم، استوعبنا توحد الطلب على كرة القدم واهتمام الشباب بها دون الأنواع الأخرى والاهتمام الكبير لفئة الشباب بها، لكن وجود البرامج الفنية الحوارية وأخبار طلاق الفنانين وزوجاتهم المتكررة توحي بماذا، أو ظهور الظاهرة هيفاء وهبي في برنامج للتحكيم على أحد أهم عناصر الدراما السوري «عبدالمنعم العمايرة» بماذا يوحي هذا الجمهور سوى جمهور يريد أن يضحك فقط ويتسلى، جمهور مخنوق من حياته المعيشية والدم على شاشات الأقنية الإخبارية، أو جمهور فارغ من الفكر أو الفن، وقد كان بزوغ نجم هيفاء وهبي يعد من مظاهر انتشار ظاهرة الإغراء والمظهر الخارجي وأهميته في نواحٍ عديدة، أقلها عندما تطمع الزوجة بمظهر «مهند» يطلب الزوج فتنة «هيفاء وهبي». جمهور قديم اختفى وبزغ جمهور جديد، جمهور غاضب صنع ما سمي بالربيع العربي في دول عربية على صيغة الثورات الأوروبية في القرن الثامن عشر، وطالب بالخبز وأسقط الدكتاتوريين، وجمهور بنى الاشتراكية وأسقطها، وجمهور تحول إلى الرأسمالية، وجمهور يلهث وراء هيفاء وهبي وإيقونة الجمال، ولا يزال العالم في نفس الأزمات المتتالية نفسها في كل الدول من بطالة متفاقمة وانهيار، والشكوى الأبدية من انهيار المبادئ الأخلاقية وتسريح عمال وموظفين وغلاء معيشي وركود مالي عالمي وإفلاسات لشركات متعددة الجنسيات كبرى، ويبقي ذاك الجمهور الذي بالظل التائه ماذا يفعل وإلى أين يتجه، فبعد تطور رجل الغاب واختراعه السكين إلى العصر الزراعي ثم الصناعي وثورة مداخن المصانع ثم عصر المعلوماتية والحاسب الآلي والشبكة العنكبوتية، يتعثر جمهور الظل للوصول إلى اختراعه الحديث الذي سيحل هذه المعضلات الاقتصادية والثقافية الذي سيصل إلى الاكتفاء الذاتي، ولا شك بأن معطيات ذلك الجمهور سترشده إلى ثورة فكرية تعيد حساباته من جديد.