رغم إعجابي (بطه حسين) الذي أعتبره (المنور) الأكبر في القرن العشرين لمنطقتنا، إلا أنه كانت له سقطة لا تغتفر في كتابه المعنون ب (مع المتنبي). فقد تحامل الرجل بطريقة مستفزة على ذلك الشاعر الذي وصفه أحدهم بأنه (شاعر الدنيا والآخرة معا)، وقد يكون سبب ذلك التحامل، أن المتنبي بعد أن خرج من مصر محبطا وقال أشعارا لم ترق لطه، معتقدا أنها هجاء لأهل مصر رغم أنه عبر من خلالها عن موقفه بالدرجة الأولى من حاكمها (أبي المسك)، وأكبر دلالة أنه مدح الكثير منهم. فبدأ عميد الأدب العربي بتشريح بعض أبيات شعره منها مثلا قوله: بأبي من وددته فافترقنا وقضى الله بعد ذاك اجتماعا فافترقنا حولا فلما التقينا كان تسليمه علي وداعا معتقدا أن كلمة (وددته) ليست في مكانها. وقد رد عليه (العقاد) قائلا: الخلاف بيننا وبين الدكتور في طريقة النقد هنا جد بعيد، فنحن نرى من جهة أن أبا الطيب لو أراد أن يقول: (أحببته) بدلا من (وددته) لاستقام له الوزن مع بعض التجوز الكثير في الشعر المقبول في العروض، ونرى من جهة ثانية أن أبا الطيب كان مستطيعا أن يستخدم هنا (حببته) الثلاثية بدلا من أحببته الرباعية كما استخدمها في قوله وهو شاعر كبير: حببتك قلبي قبل حبك من نأي وقد كان غدارا فكن أنت وافيا ومن المحقق أن (المودة) ومشتقاتها ليست من الكلمات التي يلجأ إليها شاعرنا اضطرارا أو لعجز في الوزن والصياغة، فهي مألوفة في قصائده العديدة وتكاد تكون لازمة له في التعبير عن الحب بشتى معانيه. وأورد العقاد أكثر من (15) بيتا وكلها لا تخلو من كلمة (الود) اقتطع منها على سبيل المثال: ما الخل إلا من أود بقلبه وأرى بطرف لا يرى بسوائه وقوله: وكل وداد لا يدوم على الأذى دوام ودادي للحسين ضعيف وقوله: وإن بليت بود مثل ودكم فإنني بفراق مثله قمن وقوله: ولما صار ود الناس خبا جزيت على ابتسام بابتسام وقوله: إذا لم تجزهم دار قوم مودة أجاز القنا، والخوف خير من الود انتهت وجهة نظر العقاد، ومن وجهة نظري المتواضعة: أرى أن كلمة المودة هي أبلغ وأشمل بمراحل من مفردة الحب، ولولا ذلك لما قال المولى في محكم كتابه: (وجعل بينكم مودة ورحمة) هذه من ناحية. ولما تغنى المطرب الشعبي المصري قائلا: مثل ما أودك وديني. ولما قال شاعر الجزيرة العربية الشعبي (محمد الأحمد السديري): من لا يودك لا توده وترجيه ارفع مقامك يا عزيز المقام.