** تمثل المباراة النهائية بين فريق «برشلونة» وفريق ريال مدريد.. حصة تدريب عالية المستوى يمكن الاحتذاء بها وتطبيقها في الأكاديميات والملاعب الرياضية في العالم بأسره. ** فقد حول المدرب الإيطالي «انشيليوتي» فريقه من حالة ضعف شديدة في خطوطه الثلاثة دفاعا ووسطا وهجوما الى انتصار غير مسبوق على فريق كبير هو أقرب الى الاكتمال منه الى الضعف والتأثر بالعناصر التي افتقدها في هذا اللقاء بحكم الإصابة. ** دخل «الريال» هذه المباراة الفاصلة على كأس بطولة الملك «خوان كارلوس» وفي قرارة نفس لاعبيه أن يخرجوا بهزيمة غير ثقيلة تستطيع جماهيرهم تقبلها برضى.. ودون توجيه أي لوم للاعبين او للطاقم الفني او للمدرب شخصيا لأنها تدرك ان غياب أبرز نجوم الفريق وفي مقدمتهم المهاجم «رونالدو» والمدافع» اربيلو» والظهير «مارسيلو» كان كافيا للظهور بمظهر جيد امام فريق عريق ومتميز هو فريق برشلونة «المرصع» بالنجوم وعلى رأسهم «ميسي». ** لكن ان يتحول شبح الهزيمة وبقايا الأمل في التعادل في الوقت الرئيسي للمباراة.. فإن ذلك هو الذي يجعل المراقبين والخبراء يجزمون بأن ذلك كله كان نتيجة طبيعية لرهان حقيقي بين مدرب «البرشا» الأرجنتيني «مارتينو» ومدرب الريال أنشيليوتي» وهو رهان انتهى بكل تأكيد لصالح «الأخير» الذي درب فريقه على ما يبدو لفترة طويلة على خطة بارعة كان نجاحها متوقفا الى حد كبير على اداء اللاعبين داخل الملعب.. تقيدا بقواعدها الأساسية وتعاملا جذريا مع مجريات المباراة. خطة ذكية ومعقدة ** فماذا فعل «انشيليوتي» لكي ينجو من الهزمية.. أولا: ** قام مدرب الريال باعتماد تشكيلة دفاعية صرفة ولكنها قادرة على القيام بهجمات مفاجئة وساحقة في المكان والزمان المناسبين.. لتعويض غياب نجوم الفريق سواء في الدفاع او الوسط او الهجوم. ** وتتكون هذه التشكيلة على النحو التالي: راموس، كاسياس، كارفاخال، كوينتراو، بيبي، لوكا أميندي، ألونسو، بن زيمه، بيل، دي ماريا. ** وبصرف النظر عن الأسماء.. فإن النظر الى خارطة اللعب (أولا) ثم الى توزيع الأدوار (ثانيا) نستطيع أن نتبين الآتي: (1) أغلق المدرب الإيطالي (انشيليوتي) منطقة خط الظهر طوال وقت المباراة بصورة مذهلة عندما أسند الى كل من «كارفاخال وراموس» مهمة حائط الصد الأخير وعلى مساحة محدودة ومتقاربة بوجه حارس المرمى «كاسياس» دفاعا عن منطقة ال (6) ياردات وطالب كلا من «كوينتراو» على اليسار وبيبي في مركز المحور المتحرك «خلفا» ولوكا.. في مركز الظهير الأيمن المتحرك بالحركة أماما وخلفا وفقا لمجريات المباراة.. وكان «بيبي» هو القائد المحرك لهذا الخط الثاني الدفاعي بحيث يرجع الى الخلف في حالة الهجمة «البرشلونية» بتنظيم متقن.. ويتحرك الطرفان الأيمن والأيسر خلف كل من لاعبي الوسط «ايسكو» و «ألونسو» بحسابات دقيقة.. او بالانتشار في الأطراف وقريبا من «بن زيمه» يسار و«دي ماريا» يمين. (2) أسند الى «ألونسو» من الوسط مهمة إضافية غير مهمته في إسناد الهجمة.. وهي مهمة التحرك على الأطراف في حالة الهجمة.. وبالتناوب مع «ايسكو» وفقا لطبيعة تحرك مهاجمي البرشا وبنفس الدقة المتناهية. (3) اعتمد أسلوب «الانقضاض» على الخصم قبل تمكنه من الكرة رغم مخاطرة هذه المهمة أمام فريق يجيد الالعاب القصيرة بدقة متناهية.. وقد ساهم وسط «الريال» في تحمل هذا العبث.. وشاركهم في ذلك خط الظهر وامن المنطقة الدفاعية محورا الحركة الخلفية «بيبي/ لوكا) وتمكنا من قطع كرات خطيرة وأفسدا هجمات محققة لولا مستوى التنظيم الدفاعي العالي في خط ظهر الريال. (4) اعتمد على الهجمات المرتدة في بعض الأحيان.. بالاستعانة بالكرات الطويلة التي كانت تعبر منطقة وسط الملعب الى المهاجم الامامي «بيل» او الى الجناحين «دي ماريا» في اليمين و «بن زيمه» في اليسار.. مما شتت قدرة وسط «برشلونة» على التركيز وأضعف ابرز مزاياهم المتمثلة في السيطرة على وسط الملعب «بيدرو» يمين و «فابريجاس» يسار وبينهما «تشافي/ انييستا». (5) خفف على «دي ماريا» من الأدوار الدفاعية وأطلقه باتجاه الحركة يمينا.. والانكسار (احيانا) الى منطقة الوسط.. والتمرير لجناحه الايسر «بن زيمه» أو الى المهاجم الصريح معظم الأحيان «بيل». (6) أسند الى كل من «بن زيمه» و «بيل» مهمة الحركة اماما وخلفا عند ارتداد الهجمة الى خط ظهر الريال مقابل تحرك «دي ماريا» الى منطقة رأس الحربة لتلقي الكرات المرتدة وبدء هجمة مباغتة. (7) استغل المدرب الإيطالي خلال المباراة اندفاع برشلونة الى الأمام لزيادة الضغط على دفاع فريقه.. وعمل على فك الاختناق بتحريك لاعبي الوسط «ايسكو» و«ألونسو» لدعم الهجمة وفتح الملعب من الأطراف وتغذية «بيل» بكرات خطيرة حققت الفارق وجاءت بالهدف الثاني من أضيق زاوية في منطقة الحراسة من الناحية اليمنى للمرمى.. مستفيدا من المساحات الفارغة التي تركها دفاع «البرشا» الأيمن «الفيش» وتشافي «من الوسط». كرة أوروبية حديثة وأمريكية جنوبية بطيئة ** لكن السؤال الأهم هو: ** كيف تحمل المدرب الايطالي هذه المغامرة.. وسحب لاعبي منطقة وسط فريقه الى الخلف معظم الوقت.. ولأي هدف فعل هذا؟ ** والجواب هو: ** إن المدرب الإيطالي اعتمد طريقة لعب اوروبية تقوم على محورين: 1) استخدام الكرات الطويلة المغايرة تماما لطريقة لعب «برشلونة» التي تعتمد على الكرات القصيرة والتمريرات البينية القاتلة. 2) ضيق المسافات بين لاعبيه سواء في خط الظهر او في الوسط وضمن اغلاق المنطقتين وشتت هجمات «البرشا» طوال الوقت.. وبالذات حين فتح الملعب عن طريق الأطراف مستفيدا من سرعة «بن زيمه» على اليسار و«دي ماريا» على اليمين. 3) استفاد من حماس «بيل» وسرعته في المقدمة ومن رغبته القوية في إثبات وجوده الذي لم يظهر في ظل وجود «رونالدو» .. وقدم نفسه في هذه المباراة بصورة مختلفة وكأغلى لاعب في العالم.. وهو الأمر الذي قد يدفع المدرب الايطالي الى التفكير في مستقبل التشكيلة ولاسيما في منطقة الهجوم للاستفادة من «بيل» بصورة أفضل. ** وهنا حصل الفارق بين ريال مدريد الذي لعب بطريقة اوروبية حديثة تعتمد على السرعة.. وعامل المباغتة وفتح الملعب بين وقت وآخر.. وبين طريقة «البرشا» المعروفة والمألوفة لتبادل الكرة في وسط الملعب.. وندرة الاعتماد على الاطراف وقلة التهديف من خارج منطقة الجزاء. قصور في الضربات الثابتة ** وحتى الضربات الثابتة (الثابتة/ الكورنر) لبرشلونة لم تحقق أهدافها لأن مدرب الريال كان حريصا على إتقان تمركز لاعبيه خلف كل لاعب برشلوني فيما كان الحارس يقظا كل اليقظة وبدد أكثر من كرة فضلا عن أن «برشلونة» يفتقد اللاعب القادر على التصويب عن بعد.. لأنه اعتاد على «الغزو» والدخول الى حلق المرمى.. والتمرير بين المدافعين.. وعدم تنويع الهجمات. ** هذا الفارق في الأسلوبين.. وفي الروح كذلك وبدافع الخوف من ضياع البطولة هو الذي رجح كفة الريال.. لانه قدم مباراة تكتيكية عالية المستوى وكان حريصا على ان يقدم نفسه بصورة جيدة ولذلك فإن أداء الريال كان أداء فعالا بينما استمر أداء «البارشا» استعراضيا طوال الوقت وبالتالي افتقد الفاعلية وخسر البطولة والمباراة على حد سواء. دروس فنية هامة ** والدرس الفني الذي يخرج من هذه المباراة هو ** اللعب على اخطاء المدرب الآخر.. واستغلال نقاط ضعف الفريق المقابل.. واللعب بطريقة مغايرة لطريقته.. وسرعة التعامل الفعال مع الكرة.. وتنويع الهجمة بين الانتشار على الأطراف او الانكماش الى منطقة الوسط او الاندفاع الى المقدمة واستغلال المساحات المفتوحة في خط دفاع الخصم. ** وهكذا شكلت سرعة «دي ماريا» و «بن زيمه» في المقدمة.. وتمركز «ألونسو/ ايسكو» الجيد في الوسط وحركتهما خلفا واماما نقطة ارتكاز هامة في الصمود امام برشلونة.. ثم الانتقال من مرحلة الدفاع المكثف الى مرحلة الهجوم المباغت.. والاستفادة من عنصر المفاجأة الذي تحقق لهم بعد الهدف الأول الذي احرزه «دي ماريا» بعد «11» دقيقة من بدء الشوط الاول.. وهو الهدف الذي مكن الريال من اغلاق منطقة دفاعهم بإحكام.. واللعب على اخطاء البرشا.. وعدم حيوية هجماتهم.. وفتح الملعب او إغلاقه والتحكم في مسار المباراة بصورة ايجابية.. بدلا من السيطرة «البرشلونية» غير المثمرة على وسط الملعب. ** وإذا كان هناك من يتحمل خسارة البارشا.. فهو ثبات طريقة اللعب وتلك مسؤولية المدرب ثم جمود حركة نجمي الفريق «نيمار» يمين و«ميسي» يسار.. وإصرارهما على التقيد بأسلوب الغزو للمرمى.. وان حاول «نيمار» كثيرا ان يتحرك على الطراف الأيمن او أن يدخل الى منقطة رأس الحربة.. لكن تحركاته تلك لم تجد التجاوب الكافي من «ميسي». تغييرات مرتبكة ** وحتى التغييرات التي أجراها المدرب الأرجنتيني «ماريتنو» لم تحدث أي فارق لأن أسلوب كرة «امريكا الجنوبية» ظل مسيطرا على اداء الفريق.. بمواجهة الطريقة الإيطالية التي تعتمد على القوة والسرعة والتنويع وفتح الملعب والحركة على اكبر قدر من المساحة في الملعب بدلا من التحرك في منطقة وسط الملعب كما فعل «البرشا» ويفعل على الدوام. ** الشيء الأخير الذي لا يجب إغفاله هو ان الفريقين فقدا لاعبين مهمين في هذه المباراة بحكم الإصابة او الإيقاف. ** ففي الوقت الذي غاب عن الريال أبرز ثلاثة نجوم مؤثرين «كما سبق ذكرهم» ** فإن الغائبين عن البرشا هما المدافعان (بويول) و(بيكيه) وهو غياب مؤثر بكل تأكيد وضح أثره في خلخلة الدفاع (أولا) وفي عدم الانضباط في منطقة الخلف (ثانيا). ** ولو كان هؤلاء جميعا موجودين في الملعب فإن مستوى المباراة كان بكل تأكيد افضل مما كانت عليه.. وان كان لجوء المدربين إلى «التكتيك» البحت قد أفقدها عنصر الحرارة والجمال المطلوبين وتلك هي طبيعة مباريات البطولة.. وتحسباتها القائمة على البعد عن المخاطرة.. والمجازفة.. والجنون.