قبل ثلاثة أيام انتهت المهلة الممنوحة لعودة السعوديين المتورطين في أعمال قتالية ونزاعات خارج المملكة، وبدأ رسميا العمل بقانون الإرهاب مع من لم يسلم نفسه، وهذا القانون تتراوح عقوباته ما بين ثلاث سنوات وثلاثين سنة، ويشمل المنتمين والمؤيدين للتيارات والجماعات الدينية والفكرية المتطرفة في الداخل والخارج وعلى الإنترنت، والبيان حدد تسع جماعات محذورة من بينها الإخوان المسلمين وداعش وجبهة النصرة بجانب حزب الله السعودي، وقد قرأت بأن الأخير يمثل الذراع العسكري لمنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، والحزب والمنظمة يدينان بالولاء لملالي إيران، وهما مسؤولان بشكل مباشر عن قتل 19 أمريكيا وجرح 372 من جنسيات مختلفة في مدينة الخبر يوم 25 يونيو 1996، وكان ذلك نتيجة لقيام المحسوبين عليهما بتفجير صهريج نفط تسبب في انهيار جزئي لمجمع سكني. تجريم جماعات الإسلام السياسي جاء في وقته تماما، وتمنيت ارتفاع سقف العقوبات إلى القصاص تعزيرا لمن يتورط في أعمال متهورة أو خطيرة، والمفروض أن يصاحب التجريم حملة محاسبة وطنية تفتش في الدفاتر القديمة والجديدة لأصحاب المنابر، خصوصا أن بعض الشخصيات الأكاديمية في الجامعات وفي الأماكن المشابهة، ونسبة من أبناء الجيل الثاني والثالث من المجنسين، لديهم انتماءات مشبوهة لا تظهر إلا في المناسبات، وهؤلاء تحركهم رغبات مختلفة وتدعمهم جهات أجنبية وعربية، والمناخات الحالية تساعدهم وتخدم أهدافهم نسبيا وربما بطريقة غير مباشرة. فالمجتمع المحلي يواجه حروبا كثيرة، أبرزها حربه ضد المخدرات وغسيل الأموال، وحسب أحدث التقديرات فإن حجم تجارة المخدرات في المملكة يصل الى عشرة مليارات ريال سعودي في السنة، وقد ضبط الأمن السعودي ما قيمته ملياران في الأسبوع الماضي، واستغرب الإصرار عليها رغم أن الإعدام عقوبة غير قابلة للاستئناف بحق من يقوم بالتهريب، وهناك من يعتقد أن وراءها أجهزة استخبارات معادية، وأموالها ضخمة وغير مشروعة، وشرعنتها أو غسيلها يحتاج إلى مجهود استثنائي و«محلل» أو «تيس مستعار» أو بعبارة أوضح، بضاعة متداولة تباع وتشترى بأسعار مرتفعة، يضاف إليها الحرب ضد فساد المشاريع وتجاوزات العقود، ومثلما ورد في تقرير سنوي صدر مؤخرا عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» فقد تم الوقوف على 306 حالات فساد في ما يقارب الأربعمائة مشروع حكومي، وأحيلت الملاحظات إلى الوزارات المعنية بانتظار إفادة أو تحقيق قد يطول أو لا يأتي، ولا بد من مواجهة الفساد وتقليص فرص حدوثه حتى لا يستغل في الشاردة والواردة، وكأنه فعل خاص ومحصور في المملكة لوحدها، ولا أنسى حوادث السيارات ووفيات وإصابات تطال سبعة وعشرين ألف إنسان، وبواقع سبعة وستين حادثا في الساعة، ومعها خسائر اقتصادية تصل لثمانين مليار ريال في كل سنة، والقضية تكشف في جزء منها عن خلل في الالتزام بتعليمات المرور وفي احترام الأنظمة، وأسبابها، في رأيي، اجتماعية وثقافية قبل أي شيء آخر، ولاحظت أن الإعلام الغربي يضع قيادة المرأة للسيارة في مرتبة متقدمة، ويتجاهل حقيقة أن المملكة وباعترافه، تعتبر الدولة رقم واحد في حوادث السيارات، وأن القيادة في شوارعها انتحار متعمد. المملكة ليست دولة عادية ولا يمكن أن تكون، والتزاماتها الدينية ووزنها السياسي والاقتصادي لن يعجب بالتأكيد الدول الميكروسكوبية والجماعات المحبوسة في صندوق الإيديولوجيا، وبالذات إذا كانت تبحث عن دور أو مكانة تتجاوز حجمها الطبيعي وقدراتها المتواضعة، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء إلا أن يستفيدوا من جوارهم الجغرافي في تنفيذ مطالب الآخرين بالوكالة وباستسلام كامل وانتظار المكافأة، كما أن مشروع الإسلام السياسي بشكليه لا يكتمل بدونها، والمحصلة أن خصوم المملكة إما غارقون في الغيبيات والأمراض النفسية أو أصحاب مصالح دنيوية ضيقة وشخصية، وأستبعد أنهم يعرفون ما يريدون على وجه التحديد.