ويستمر مسلسل حوادث الطرق السريعة مع اختلاف الوجهات «شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وفي الوسط».. فتيات في عمر الزهور وفي طليعة المستقبل والآمال وزهوة الشباب، تقطف أرواحهن بسبب سعيهن وراء لقمة العيش، إما لمساعدة أهاليهن وإما أزواجهن وأطفالهن، وإما سعيهن لتحقيق ذواتهن بعد مشوار طويل من سنوات الدراسة والتحصيل العلمي. إنها حوادث الطرق السريعة من المدن الرئيسية إلى المناطق البعيدة والنائية أثناء نقل المعلمات والطالبات اللائي لم يحالفهن الحظ بالتعيين في مدارس في مدنهن أو القبول في كليات في ذات المدن. وهذا ما يعنيني الآن وبصدد الكتابة عنه من بين كل حوادث السير على هذه الطرقات. هذه الحوادث التي هي استنزاف لرأسمال مال الوطن الأهم، وتقديم أرواح بريئة كقرابين للأسفلت من قبل من (لا يعقلون) من بعض السائقين غير المؤهلين ولا المؤتمنين على أرواح الناس، سواء كانوا متهورين بسبب الحماس الزائد أو الإدمان على المنشطات والعياذ بالله، أو لكبر سنهم حيث تعجز أيديهم عن ضبط مقود السيارة نتيجة الرياح الشديدة على الطرقات أو عدم القدرة على التصرف في الحالات الطارئة، ناهيك عن رداءة معظم هذه الطرقات البعيدة أو المهجورة المؤدية لتلك القرى والهجر النائية، لمباشرة عملهن والتي ربما لا يتجاوز عدد الطالبات فيها عدد أصابع اليد. وفي كثير من الأحيان عندما يقع حادث لهن «لا سمح الله» أو تعطلت المركبة يمضين الساعات الطوال في انتظار من يساعدهن أو ينقذهن، حيث لا شبكات جوال تستجيب ولا عابرون يمرون لو بالصدفة، ويبقين فرائس للخوف والرهبة من أن يتعرضن للسرقة أو للقتل أو لانتهاك شرفهن، وهن مع رجل ليس بمحرم لهن، لا سلاح لهن سوى الدعاء واللجوء إلى الله أن يسترهن وأن يقيل عثرتهن ويحميهن، وفيهن من هي أم لأطفال ينتظرون عودتها بقلوب تملؤها اللهفة والخوف عليها في رحلتها إلى المجهول، ويتآكل قلبها خوفا عليهم، أو زوجة ينتظرها زوجها لتنير بيته وتدفئه بحبها وحنانها، أو ابنة ينتظرها والداها بخوف ورحمة وقلق لا حدود له. من المسؤول؟ هل هم السائقون؟ أم وزارة التربية والتعليم؟ أم وزارة التعليم العالي؟ أم وزارة الخدمة المدنية؟ أم وزارة المالية؟ أم وزارة النقل؟ أم الإدارة العامة لأمن الطرق؟ من الذي يجب أن يتحمل كامل المسؤولية عن إلزامهن والفرض على المعلمات بمباشرة تلك الوظائف خارج محيط سكنهن، أو دراسة الطالبات في كليات خارج مدنهن؟ لماذا لا يشعرن بأن هناك من يهتم بحياتهن ويحافظ عليها؟ ميزانية الوزارة ضخمة، وبلادنا بألف خير ولله الحمد، لماذا لا ينفذ مشروع النقل المدرسي ويتم تسليمه لشركة كبرى تطبق عليها معايير دولية في الأمن والسلامة، إذا استحال تعيينهن وقبولهن في مدنهن وبجانب أسرهن؟ لماذا تقف كل هذه الوزارات والجهات صامتة لا تحرك ساكنا رغم استمرار النزيف على الطرقات النائية؟ ماذا ينتظر المسؤولون في هذه الوزارات والجهات؟ لماذا لا يزال تعيين المعلمات مستمرا في تلك المناطق البعيدة؟ أنا لا أعترض على قضاء الله وقدره، لكن لا بد من دراسة الوضع بأقصى سرعة ممكنة، وإيجاد حلول عملية وسريعة تنهي هذه المأساة أو تقلل من أضرارها على أقل تقدير. لا يخفى على الجميع ما يعانيه هؤلاء المعلمات والطالبات من حالة نفسية صعبة بسبب تغرب الواحدة منهن والبعد عن بيتها وأهلها وزوجها وأطفالها، وإما السكن بتلك المدينة أو القرية بسبب البعد وعدم قدرتها على الذهاب والإياب في نفس اليوم، أو ما يعتري نفسيتها من التعب والإجهاد عند خروجها من المنزل قبل طلوع الفجر لتتمكن من الوصول إلى وجهتها في الوقت المحدد لها، ما يؤثر سلبا على أدائهن وينعكس بالتالي على مخرجات التعليم ومستوى الأداء، وهذا ما لا تريده وزارة التربية والتعليم ولا وزارة التعليم العالي ويتضاد مع منهجها وخططها. وما فتيات ضرما الأربع اللائي قضين نحبهن قبل أيام على الطريق وإصابة 16 من طالبات الكلية القادمات من الرياض، إلا حلقة من مسلسل تراجيدي طويل، نقرأه بأسى وحسرة على صفحات الصحف، ولا نملك إلا الدعاء لهن بالرحمة ولأهلن بالصبر والسلوان. بناتنا أمانة في عنق كل مسؤول، وعلى كل مسؤول أن يعمل على أن لا يجد روح إحداهن تلاحقه في مناماته، ولا يسأل عنها يوم العرض العظيم.. والله الموفق.