بينما كنت أتجول في أروقة صحيفة «عكاظ» الغراء عبر موقعها الإلكتروني طالعت من زاوية «شاركنا» المفتوحة للقراء تعليقات لفتت نظري كتبها الباحثون عن العمل والمكتوون بنار عدم توفر فرص عمل في السوق، فقد جاءت تلك المشاركات مكتوبة بمداد الحرقة والأسى، تنم مفرداتها اليائسة عن حسرة وضياع الفرص الوظيفية لتصور لنا مشهدا مفزعا لهولاء الباحثين عن العمل في بلد يتمتع باقتصاد قوي وسياسة مالية حكيمة، تترجم سلامتها مشاريع عملاقة منجزة وأخرى تحت الإنجاز في شتى مرافق الحياة التجارية والصناعية والزراعية والخدمية في سوقٍ يحتضن العمالة الوافدة ولا يأبه بالعمالة الوطنية. إن الأرقام وحدها هي التي تبرز حجم المشكلة فمن يصدق أن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص أدنى من ( 10 ) في المئة، وتلك النسبة المخيفة تجعل الشباب السعوديين يعانون معدلات بطالة هي الأعلى في المنطقة بعد العراق. فيما تبدو المفارقة الحقيقية والواقع غير المنطقي، متجسدا في تصدر المملكة المرتبة الثانية في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية على صعيد الحوالات المالية التي يرسلها الوافدون لأوطانهم، إنها تناقضات تشير إلى وجود خلل كبير يحتاج إلى دراسة أكبر وحكمة أوفر للوقوف على أسبابه، وعن إمكانية معالجته وإصلاحه وبترك الحال على ما هو عليه. فإن المشكلة ستتنامى والشق سيكبر ويصعب رقعه. فالمؤشرات تشير إلى قرب إنهاء مايقارب ( 130 ) ألف مبتعث في 27 دولة من تحصيلهم العلمي، والعودة إلى أرض الوطن مسلحين بالعلم، ومدججين بالمعرفة وهم يحملون دراجاتهم العلمية المختلفة من شهادة جامعية، وشهادة الماجستير والبعض يعد لشهادة الدكتوراه في تخصصات نادرة، متوقعين أن يجدوا أبواب التوظيف مفتوحة لهم. والسؤال ماذا لو وجدوا كثيرا من هذه الأبواب موصدة لا تجيب طارقا. فمن المؤشرات أيضا ذهاب ( 150 ) مبتعثا لموقع حافز طلبا للإعانة بعد تعثر أمر توظيفهم. لذا فالأمر بحاجة إلى معالجة واعية، تبدأ من شركات القطاع الخاص بإسهامها في إذابة الثلوج وامتصاص التصرفات المتوقعة بحكمة ووطنية قبل أن تحدث فقد عودنا رجال المال والأعمال المخلصون التصدي بحلولٍ طيبة في مثل هذه الظروف، فقط نذكرهم بضرورة التجاوز عن كلمات الإحباط المصممة للتخلص من المتقدم غير المرغوب فيه مثل ( مؤهلك لا يناسب وظائفنا أو نأسف لعدم كفاية الشروط والخبرة ) وبتكرار هذه الإسطوانة من الشركات واحدة تلو الأخرى سرعان ما يدب اليأس إلى نفوس هؤلاء الشباب المؤهلين، مما يدفعهم للتوجه للبدائل المؤكدة كالاغتراب والعمل في بلاد أخرى يخدمونها ويتفانون في تطويرها وتقدمها ويعززون فيها مهاراتهم. كما أننا ننتظر من وزير العمل أن يعمل على تطبيق الخطط الاستراتيجية التي رسمتها الوزارة لحل مشكلة البطالة بصورة نهائية فقد صدر تقرير من وزارة العمل يفيد أن المملكة بصدد القيام بإصلاحات جوهرية للخطة القديمة التي تحتاج إلى مراجعة، ولم تعد فعالة لتوطين وظائف القطاع الخاص التي يشغلها الوافدون بنسبة( 90 ) في المئة، ومن تلك الإجراءات الإصلاحية ضرورة الاهتمام بتنفيذ برنامج النطاقات الأربعة حسب تحقيق المؤسسات لنسب التوطين الملزمة بها، مع تحفيز الشركات الملتزمة والعقاب الرادع للشركات التي لا تطبق قرارات التنظيم والإصلاح. خصوصا أن هدف الحكومة المعلن الذي تنتظره كل مواطنة ومواطن هو توفير ( 1.12 ) مليون فرصة عمل جديدة لمواطنيها أي ما نسبته 92 في المئة من مجموع فرص العمل الجديدة، وتضمن تقرير آخر أن المملكة ستفرض سقفا زمنيا عبارة عن ( 6 ) سنوات على تأشيرات الوافدين العاملين في شركات لا تحقق معدلات التوطين المطلوبة. بوجود حزمة تسهيلات وحوافز مغرية للشركات المتجاوبة، ونظرا للرجوح المفرط لكفة الوافدين في ميزان التوظيف في القطاع الخاص السعودي، فقد تتضرر ( 30 ) في المئة من شركات هذا القطاع لا سيما الصغيرة منها لدرجة التوقف التام عن العمل في حالة تطبيق برنامج نطاقات الجديد بجدية وحزم . إن كل ما سبق ذكره من مخاوف يبدو أنها ستنجلي وتزول بعد صدور الميزانية الجديدة المبشرة بالخير العميم للشباب الباحث عن العمل. فقد رصدت الميزانية نصيبا وافرا للتعليم وحتى نحس بنعمة هذا الرصد فلابد من وجود معينات تساند بشائرها وتحقق تطلعات وطموحات المترقبين قطف الثمار، ومن ذلك مثلا مد ظلال الثقة للمهندسين السعوديين، وإنهاء معاناتهم مع البطالة والأخذ بأيديهم ليكتسبوا الخبرة اللازمة حتى يتمكنوا من تطبيق ما تعلموه في خدمة وطنهم. كما أن يد الإصلاح لا بد أن تمتد إلى أجهزة البيانات التي تعتمد عليها وزارة الخدمة المدنية في توظيف الخريجين، فأجهزة نظام استقاء البيانات في الوزارة نظام بيروقراطي رتيب يلزمه التجديد والتحديث ليواكب النهضة العصرية التي تعيشها البلاد. لهذا يهمنا جدا أن نعتبر مشكلة الشباب الباحث عن العمل هاجسا عاما و هما وطنيا، يلزمه تضافر الجهود ، ليتم كما بشرت به ميزانية الخير. فالباحث عن العمل والمواطن يتطلعان إلى كل ما يضمن لهم أسباب العيش الكريم، وتلك غاية لا تتم إلا إذا نعم هذا المواطن بالوظيفة المناسبة التي تعينه على الحياة وتوفر له سبيل الكسب الحلال .