يعمل الموظف ويشقى طوال حياته ويتنظر يوم التقاعد ليرتاح ما تبقى له من العمر، ولا يدري هل يدرك ذلك اليوم أم أن أجله سوف يسبق تحقيق كل آماله وتطلعاته. كلنا يدرك أن الأعمار بيد الله، فأنا وغيري من ملايين الموظفين نكدح ليل نهار ويستقطع من الراتب 9% ومن جهة العمل 9 % لكي يتحقق الراتب التقاعدي المجزي في نهاية الخدمة الوظيفية، لكن هذا سيتحقق إن كتب الله لنا العمر وسيذهب سدى إن كتبت في عداد الموتى. لست أول من يكتب عن هذا الأمر ولست بآخرهم، حول هذه القضية الشائكة التي ترفرف بجناحين بين المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، باعتبارهما الجهتين المعنيتين بالتقاعد لموظفي القطاعين العام والخاص. الموظف عندما تنتهي فترة خدماته، خصوصا إذا أكمل 60 عاما يتحول إلى (مت .. قاعد)، ونهاية خدمته تقتصر على خطاب شكر، وحفل تكريم ليبدأ بعدها مرحلة الشقاء مثلما بدأها مع الوظيفة. الفارق كبير بين الشقاء أثناء الوظيفة والفرد بكامل صحته، والشقاء بعد الوظيفية وهو لا يحتمل العناء ويبحث عن الاستقرار والدخل المناسب، وهذا لن يتحقق إلا إذا فكر الموظف أن يؤخر الإنجاب إلى ما بعد 20 عاما من خدمته الوظيفية لكي يستفيد أبناؤه من الراتب التقاعدي بدلا من حرمان والدهم، وخصوصا إذا وصلوا إلى سن البلوغ. هذا المتقاعد البسيط لم يتحقق له الحلم ببناء مسكن أو تأمين مستقبله ومستقبل أسرته؛ لأنه في لهاث مع التزامات لم تنتهِ مدة خدمته الوظيفية حتى لو أمضى فيها 40 عاما متصلة. والبعض تجده بعد التقاعد يبحث عن وظيفة؛ لتلبية متطلبات الحياة، حتى لو كلفه الأمر أن يتحول إلى سائق تاكسي أو بائع خضار بينما كان في وظيفة مرموقة قبلا. ومؤسسة التقاعد تقيم مشروعات استثمارية ضخمة، ومنها مساكن وقروض، لكنها لن تشمل إلا فئات بعينها وحددت شروطا تعجيزية، وبينها أن لا يتجاوز عمر المستفيد 55 عاما، رغم أنها ذات الجهة التي حددت سن التقاعد ب60 عاما، وبمعنى أشمل تخلت عن رعاية المتقاعدين صحيا واجتماعيا وتكتفى بصرف راتبه التقاعدي وهذا هو حقه المشروع. ولو نظرنا في عدد المشتركين في التأمينات الاجتماعية بلغ عددهم 2.786.439، منهم 2.349.630 في القطاع الخاص، و436.809 في القطاع الحكومي، وتأملنا في التقرير الإحصائي السنوي للمؤسسة العامة للتقاعد، فإن إجمالي عدد المتقاعدين حتى نهاية العام المالي 1433 1434ه (2012م) بلغ (571.367) متقاعدا بينهم (429.163) متقاعدا من الأحياء، و(142.204) متقاعدين متوفين، وذلك بزيادة قدرها (34.168) متقاعدا عن العام الذي قبله الذي بلغ (537.199) متقاعدا بما نسبته (6.4 %)، إجمالي ما تم صرفه كمعاشات وكدفعة واحدة خلال الفترة نفسها بلغ (44.588) مليون ريال، وأن إجمالي ما صرفته المؤسسة منذ إنشائها بلغ (395.715) مليون ريال، لوجدنا أن كل هذه الأعداد تستحق إعادة نظر في وضع معاشات التقاعد من قبل المؤسستين المعنيتين في هذا الجانب. ببساطة شديدة، المبالغ التي تدخل لهما من الموظفين ومن مخصصات الدعم تتطلب استثمارها بشكل شامل وتوزيع الأرباح على المتقاعدين حسب رواتبهم، وتحتسب لهم في نهاية الخدمة. وبعيدا عن لغة الأرقام ومكافأة نهاية الخدمة والمتوسط الحسابي لراتب التقاعد والحقوق والواجبات، فإن المشاريع الاستثمارية التي تقام في كل موقع، ومن بينها البنوك والشركات توزع الفوائد والأرباح على المساهمين الذين أسسوا رأس المال، وهنا فإن المتقاعد هو جزء من هذه المشاريع وعلى المؤسسة مراعاة ذلك. الثغرات الكبيرة في نظام التقاعد أنه لا يراعي الظروف الحالية للمتقاعدين في ظل غلاء المعيشة، ويحتاج إلى معالجات جذرية في النظام المزمع تعديله، وقبل أن يتم ذلك، فإن الأحرى بالمؤسستين التقاعد والتأمينات الإنصات إلى المتقاعدين وتضمين مقترحاتهم ومعاناتهم ضمن التعديل بما يلبي احتياجاتهم ورغباتهم.