لم تنجز الثورة الليبية حتى الآن هدفا واضحا من أهدافها المعلنة، باستثناء اقتلاع نظام معمر القذافي، واقتياد من بقي من رموزه إلى السجن تمهيدا لمحاكمتهم. ولكن يبدو أن الشعب الليبي قد تجاوز مرحلة القذافي، وما بعدها، وبدت نشوة انتصار الثورة تخفت شيئا فشيئا حتى تلاشت وتصدعت تحت وطأة الاقتتال اليومي الذي تشهده العاصمة طرابلس وبقية المدن الليبية. وهو ما دعا الحكومة الليبية إلى التأكيد على وجوب أن تغادر جميع المليشيات المسلحة طرابلس بدون استثناء، ومطالبة الفصائل المسلحة بالوقف الفوري لإطلاق النار والتزام التهدئة، وضرورة التوقف عن التصريحات التي وصفتها بالمثيرة للفتنة. بالأمس فقط تجاوز عدد ضحايا إطلاق نار على متظاهرين قرب مقر كتيبة النسور في العاصمة طرابلس 40 قتيلا ونحو 400 جريحا، في وقت تدور فيه اشتباكات بين قوات تابعة للأجهزة الأمنية الرسمية وعناصر إحدى الكتائب المسلحة. الوضع فيما يبدو قابل للتطور والتصعيد ميدانيا وسياسيا، فمسلحو وساسة «ثورة التكبير» كما يسميها الليبيون اكتشفوا أخيرا صعوبة التعايش، وتباين الرؤية والمنهج والمعتقد الفكري والسياسي. فحاملو السلاح يرون أن دور السلاح في الثورة لم ينته بعد وأنه يجب الانتظار إلى حين الانتهاء من بناء مؤسسات الدولة، فيما الساسة على الجانب الآخر يؤكدون استحالة ذلك في ظل رفض المسلحين للدستور وعزمهم على فرض رؤيتهم في تأسيس الدولة والسلطة ولو كان تحت نيران المدافع. هذا الواقع الذي يشبه «الحلقة المفرغة» يثير قلق الليبيين على مستقبل ثورتهم ووطنهم وأجيالهم، ولكنه رغم تعقيداته وخطورته ليس عصيا على الحل عندما يحضر العقل والانتماء.