الكلام عن عودة العالم إلى معادلة «ثنائي القطب» أصبح يتردد في كل مكان خاصة بعد الدور الذي لعبه ويلعبه الروس في الأزمة السورية؛ فالدولة الروسية تتصرف في عهد الرئيس فلاديمير بوتين وكأنها القطب الثاني المستعد لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. هذا الأمر يلمسه المراقب من خلال الدور الذي تلعبه روسيا في أكثر من منطقة ولاسيما في الشرق الأوسط مقابل تراجع أمريكي يعود إلى سياسية مترددة ينتهجها باراك أوباما، إضافة إلى أن خسارة الولاياتالمتحدة المعركة التي خاضتها في العراق، دفعتها للتراجع واتباع سياسة جديدة مشابهة للسياسة التي اتبعت عند الهزيمة في فيتنام وهي قائمة على أن لا تتدخل عسكريا في أي منطقة من العالم وتلتزم باتخاذ موقف سياسي وتضغط من الناحية الاقتصادية، ولكن هزيمتها في العراق ومجيء رئيس متردد جعلها تتراجع، فيما بوتين يمتلك صفات المغامرة وأحلام أن تستعيد بلاده دورها القيصري في العالم، وقد استطاع وإن جزئيا من خلال المواقف التي اتخذها أن يصل إلى هذا الدور. كنا نتحدث في السابق عن توازن الرعب بين الولاياتالمتحدةوروسيا، والآن نعود إلى هذه الصيغة ولكن على المستوى السياسي لا العسكري، فالولاياتالمتحدة تملك أسلحة متقدمة جداً، وأيضاً روسيا ليست متأخرة بهذا الصدد، فاليوم نحن أمام توازن سياسي أكثر منه عسكريا، هذا التوازن يعطي وجها جديداً للحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوروسيا. وما بين التردد الأمريكي والإقدام الروسي قد يتراءى لنا أننا أمام استعادة لثنائية القطبين، ولعل الملف السوري هو أكثر الملفات تظهيراً لهذه الثنائية، لكن أسئلة كثيرة وعلامات لافتة توضع تحت هذه الثنائية المتجددة بخاصة أنها لا تقوم على تفوق سياسي متساو عند الطرفين بقدر ما تقوم على تردد طرف وانتهاز طرف آخر لهذا التردد. لروسيا مصالح في العالم وتحديداً في الشرق الأوسط، ولأمريكا سطوة على العالم وليس فقط في الشرق الأوسط، فالوضع لا يحتمل التردد وأوباما وحده يسأل عن عودة الثنائية. فلاديمير بوتين يغامر لعله يستعيد روسيا القيصرية، وباراك أوباما يجتهد وهو المدرك أنه يريد أن يترك بصمة في الحقبة الأخيرة من عهده الثاني. إنه السباق بين أحلام السطوة ونوستالجيا البصمة التاريخية لكنه سباق محكوم بفترة زمنية ليست بالطويلة قياساً بحياة الشعوب، فترة تنتهي مع نهاية عهد أوباما لنعود بعدها إلى الكلام عن مرجعية واحدة للعالم. * محلل استراتيجي