أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    وزير الموارد البشرية: إنجازات تاريخية ومستهدفات رؤية 2030 تتحقق قبل موعدها    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    وزير النقل: انطلاق خدمة النقل العام بتبوك منتصف العام القادم    المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع يختتم فعاليات نسخته الثالثة بالرياض    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    بدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين السعودية وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وزير الصناعة: 9.4 تريليون ريال موارد معدنية في 2024    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست محايدا في الكتابة وأستغل شخصيات الرواية في تمرير أفكاري
نشر في عكاظ يوم 18 - 07 - 2013

رأى المبدع والروائي عبده خال أن تسليط الضوء على الرواية أغرى أعدادا كبيرة من الكتاب بمحاولة كتابتها ظنا منهم أن إنتاج عمل واحد كفيل بتحقيق الشهرة، لكن لأن الكتابة على تلك الشاكلة ليست عشقا، فقد توقف الجميع وهجروا كتابتها تماما.
وكشف ل«عكاظ» عن أنه يخطط لأفكار الرواية قبل اختيار الشخصيات، ثم يوزع الأفكار على شخوص الرواية، معتبرا أن الرواية إذا لم تحمل أفكارا تصبح حكاية، وبرر عدم إقدامه على نقل أسرار الكتابة الإبداعية إلى الشباب بأن المجتمع لم ينجح بعد في الوصول إلى ثقافة التلقي من خلال الورش، «عكاظ» ارتادت جانبا من عوالم خال الإبداعية في ثنايا الحوار التالي:
• أبطال رواياتك مثل «لوعة الغاوية» نموذج للإنسان المحبط المكبل بمأساة عجزه.. فهل يكشف ذلك عن حقيقة نظرتك لإنسان هذا العصر؟
كل إنسان في أي مكان وزمان مكبل بشيء ما يختلف باختلاف شخصيته، ولا يمكن القول أن التكبيل مقتصر على الفئات المسحوقة دون الفئات التي تحتل أعلى السلم الاجتماعي، فلكل شخصية قيدها، وبناء على ذلك يتحتم على الروائي فهم طبيعة الشخصية وتحديد أزمتها الداخلية، ومن هذه العقدة الداخلية يحدد نوعية القيد الذي يسيطر على الشخصية التي يستوحيها في الكتابة، وشخصيات «لوعة الغاوية» على سبيل المثال أوقفها فضاؤها الروائي في فترة زمنية محددة، وكانت تعاني قيودا تاريخية عديدة وضمن هذه القيود مارست حركتها، ولكي أخرج من أزمة الرواية إلى أزمة الواقع أعود وأقول لك أن لكل شخصية قيدها الذي يمكن أن تعبر عنه، إما بالأنين، أو بالشكوى، لكن داخل الفضاء الروائي أنت تستبطن هذه الشخصية دون أن تبوح بالقيد وبقدر ضيق القيد يكون الألم.
حركية الحياة
• هل تعتبر إنسان هذا العصر، في إطار ما ذكرت، محبطا لأنه لم يحقق حلمه؟
الإحباط ليس مقتصرا على زمن بعينه أيضا، فالإحباط صاحب الإنسان منذ أن وجد، الحياة في الأصل عبارة عن فخاخ متعددة، كلما أردت أن تخرج من فخ وقعت في فخ آخر، وبهذه الصياغة الحياتية إذا أرجعتها إلى الدين يقول لك القرآن الكريم إن الإنسان خلق في كبد، فالحياة في طبيعتها مكابدة، وبالتالي فالإحباط أو الحزن أو الفرح أو السعادة ليس مقتصرا على زمن محدد دون زمن آخر، لكن مع حركية الزمن وحركية الحياة تتولد قيود إضافية، تتولد حياة أكثر صعوبة في البحث عن الاكتفاء الذاتي، تداخل وتشابك الحياة أوجد طبقيتها، ومن هذه الطبقية أصبح هناك المستفيد والمستفاد منه، وجل الناس تقع في طبقة غير قادرة على الحصول على حقوقها، وبالتالي ينشأ الإحباط الذي تخضع له شرائح متعددة، وباختصار عدم قدرة الإنسان على الحصول على ما يكفيه يصيبه بالإحباط، إضافة لذلك فالإحباط ليس مقترنا دائما بالطبقية، بل بالحرمان، فالفرد في الطبقات العليا قد يحرم من شيء كأن يحرم من تقلد منصب ما فيصاب نتيجة لذلك بالإحباط.
• في رواية «ترمي بشرر» اختلالات الواقع الاجتماعي تجتاز فضاء الواقع إلى مجال الذات الإنسانية معبرة عن طغيان المادي على الروحي، فلماذا أضحى المال في رأيك رمزا لهذه الاختلالات؟
السؤال يفترض أن الرواية تجاوزت حقيقة الواقع، في حين أن الواقع يتجاوز المتخيل في الرواية بكثير، أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فليس بخافٍ عليك أن المال هو صانع الطبقات، والمال هو صانع الفجوات بين أفراد المجتمع، وهو مصدر للنزاعات ومصدر لتحقيق الرغبات أو عدم تحقيقها أيضا، وبناء على ذلك فالمال بالصيغ التي نعيشها ما لم يحقق رغبات الإنسان فهو يسعى إلى الحصول عليه إما بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وعندما يبحث المجتمع برمته عن المال تقع الكارثة؛ لأن المجتمع في هذه الحال يريد الانتقال من التنوع والفوارق إلى التساوي والوحدة، وهذا لا يحدث أبدا في أي مجتمع من المجتمعات، فالتساوي في سلم اجتماعي واحد لا بد أن يؤدي إلى السقوط، وهذه هي التيمة الأساسية لرواية «ترمي بشرر»، التي تشير إلى أننا جميعا ساقطون بنسب متفاوتة، وأن لكل منا سقطته التي لا يعرف مستواها إلا هو، إذن فكرة تحول المجتمع كله إلى التمتع بالثراء هي التي تؤدي إلى تساقط المجتمع في الخيانة وارتكاب جميع التجاوزات التي تؤدي إلى ذلك السقوط.
المنتج الأسطوري
• أجمع النقاد على انحيازك لشرائح المعدمين، غير أنك في تعريفك للمهمش ذكرت أنه «الشخص الذي لا يستطيع التعبير عن نفسه في المجتمع بعيدا عن العلاقة بالسلطة أو الثراء».. ألا ترى أن هذه الرؤية تنتقد عجز المهمش بدلا من التعاطف مع مأساته وتتناقض مع خطابك الإبداعي؟
جرت العادة على إطلاق صفة التهميش على الطبقة المسحوقة، لكن عندما تبتعد عن حصر دلالة المصطلح في هذه الجزئية ستكتشف أن كل من لا يستطيع التعبير عن ذاته يعد مهمشا، ومن هنا فأنت لا تدافع عن الإنسان في طبقة دون سواها، وإنما أنت تدافع عن الإنسان في شروطه الإنسانية في الإطار الكامل لمفهوم الإنسانية، وبهذه النظرة لا يجب أن تكون عنصريا بانتمائك لطبقة مسحوقة بالمفهوم العام، ولكن أن تنتمي إلى كل إنسان يقع عليه ضرر إنسان آخر، فأي موقع من المواقع سواء أكان طبقته الدنيا أو طبقته العليا، فأنت مع نصرة الإنسان، وكما قلت لك هناك أمور كثيرة ومتعددة يحرم الثري منها رغم تمتعه بالثراء، لكن هذا الثري قد يكون تعيسا أو محبطا أو مهمشا في طبقته، وأنت عندما تكتب عنه في رواية تضعه داخل السلم الاجتماعي لطبقته وتعرضه من واقع تهميشه في طبقته، وبالتالي على الروائي أن يتحلى بالاتساع لأن الكتابة احتواء واتساع، فإن لم تستطع تحقيق هذا الاتساع الشامل للإنسان تصبح عنصريا أثناء الكتابة، في حين أنك مطالب أن تنتصر للحق، فهل الحق فقط مع الطبقة الدنيا، أم أنه يتحرك بفعل حركية طبقية المجتمع، وبناء على ذلك، كما يوجد مهمشون في القاع يوجد مهمشون في أعلى السلم الاجتماعي.
• الواقع السردي للعديد من قصص مجموعتك «الأوغاد يضحكون» ينتصر لمنطق الخرافة، أيعود ذلك إلى ولعك بتوظيف مخزون الذاكرة الشعبية، أم التعريض باستمرار الركون إلى الخرافة؟
الأسطورة وردت في بعض قصص تلك المجموعة، لكن دعني لا أقف أمام فكرتك بل أوسعها، فأنا من الناس الذين يؤمنون أننا بقايا أسطورة، أي فعل نحدثه في الوقت الراهن هو ابن حقيقي لأسطورة ما عاشت في زمن ما قبل آلاف السنوات، وما زالت تستمر معنا وما زالت الجينة الأسطورية متمكنة منا تمكنا يؤثر على سلوكياتنا وعلى معتقداتنا، ولهذا ربما تظهر عندما تورد عالما غير واقعي أو متخيلا، لكن إذا تتبعت الفعل أو السلوك أو المادة التي نعيش بها وفي هذا السياق تجد خاتم الأصبع أسطورة، والساعة أسطورة، كل الأشياء منتج أسطوري تحول من شكله القديم إلى شكله الحديث، لكنه في عمقه وفي جوهره هو أسطورة، والأسطورة شبيهة بالرحم الذي لم نستطع أن نخرج منه إلى الآن، وحتى إذا خرجنا منه فستظل المشيمة مرتبطة بيننا وبين هذا الفعل الأسطوري.
• إذا كان للأسطورة كل هذه السطوة كما تقول فمن أنتجها إذن؟
الإنسان هو من أنتج الأسطورة، وهذا الإنسان يسلم تجاربه من جيل إلى جيل آخر اعتقادا منه أنه هو الذي أنتجها بينما الفعل يعود إلى آلاف السنوات، ونحن ننظر إلى الأسطورة بالمفهوم الغربي لكلمة أسطورة، من حيث أنها تناقض الواقع، بينما الأسطورة ذكرت في القرآن تسع مرات، وجميعها يشير إلى ما سطر باليد أو كتب أو ظل محفوظا، الأساطير في القرآن الكريم لا تأتي بمفردها، وإنما ترد بتعبير أساطير الأولين، ونحن كمسلمين نؤمن بكل ما جاء به القرآن، وبناء على ذلك، فالأسطورة حقيقة وليست منافية للواقع، ولكن زمنيتها اخترقت النظام وأحدثت نوعا من المستحيل، نوعا من المعجزة، وهي المعجزة التي أتت لهذا النبي أو ذاك، ولأننا نؤمن بهذه المسألة إيمانا قطعيا أذهب إلى القول بأن كل فعل حدث سيحدث مرة أخرى وفق شرطية زمنيته الجديدة وليس بناء على شرطية زمنيته السابقة، ففي ذاك الزمن كانت معجزة وفي زمن آخر ستحدث كإنتاج فعلي للإنسان من خلال العلم، فحديثك عن الجانب الأسطوري في رواية أو قصة أمر طبيعي بالنسبة لي؛ لأنه من العناصر الثقافية والحياتية المخصبة.
• ما منهجك في توظيف الأسطورة إبداعيا؟
أثناء الكتابة الروائية تتفلت الأشياء وتخرج على شكل كتابي يقوم القارئ بإعادة إنتاجها، وكلما امتلك القارئ وعيا وثقافيا كلما كان قادرا على مقاربة الأبعاد الكامنة في الأسطورة وفهمها فهما أعمق، والبعض يذهب إلى أن التلقي يقتصر على عملية القراءة، في حين أرى أن الأفعال اليومية تمثل مجالا واسعا للتلقي أيضا، وبناء على ذلك عندما يعيد الروائي كتابة هذه الأفعال يقوم بإعادتها إلى الأسطورة.
اختطاف الكاتب
• ما مدى إيمانك بحياد المؤلف تجاه شخوص الرواية في ضوء انتقاد البعض لك باستغلال شخوص رواياتك في تمرير آرائك الخاصة؟
من المهم التأكيد على أن الإنسان كائن غير محايد، وهذا ما أؤمن به، فالإنسان ابن بيئته وابن ثقافته وابن دينه، والمؤثرات الداخلية في تكوين الإنسان لا تجعله محايدا، كما أن شخصيات الفن الكتابي لديها القدرة على اختطاف الكاتب داخل العمل وهو يكتب لقوة حجتها، والمتلقي قد يفسر ذلك تعاطفا من جانب الكاتب مع الشخصيات، والحقيقة أنه ليس تعاطفا وإنما سيطرة للشخصيات على الكاتب، لذلك أردد في أوقات كثيرة بأنه على الروائي أن يكون ديكتاتوريا حيال شخصياته؛ لأن الديكتاتورية أثناء الكتابة تمكن الروائي من السيطرة على هذه الشخوص، وإذا لم يكن الروائي ديكتاتوريا فستتحكم فيه الشخوص وتحوله إلى مايسترو وشخص يعزف بمفرده، ومقدرة الروائي على هذه السيطرة تجعله قادرا على توزيع الأصوات داخل العمل الروائي، مرة أخرى أكرر أن الروائي لا يكون محايدا وحتى الشخصية عندما تتحدث داخل الرواية تتحول من شخصية متخيلة إلى شخصية ذات نفوذ وتبحث عن سلطتها التي تفرض بها المساحة التي تكفيها في العرض.
• لكن إذا أردنا الإجابة عن ما أثاره النقاد مباشرة.. فماذا تقول؟
الكاتب عندما يكتب يتواجد في كل الشخصيات، ويوزع ذاته على الشخصيات كلها، وفي بعض الأوقات تعبر الشخصيات عن الفكرة ونقيضها، والمسألة هي ماذا تفعل عندما تجتمع كل الأفكار، سواء التي تؤمن بها أو التي لا تؤمن بها؟ في أوقات كثيرة قد تقف شخصية ضد قناعاتك وتدفعك إلى تثبيت قناعاتك أو مراجعتها، ومن هذا المنطق أتصور أن الروائي يمارس البناء والهدم في آن واحد، وبالضرورة هو مطالب بتوزيع ذاته على شخصيات الرواية، ولكن لأن الراوية أصوات متعددة تجد الروائي مرة هنا ومرة هناك، وفي آخر الإجابة أقول لك أنت تقصد بشكل محدد الأفكار التي أريد أن أقنع بها غيري من فئات المجتمع، نعم أستغل شخصيات الرواية في تمرير الأفكار التي أؤمن بها لأنني لست محايدا.
الرواية عمل مضنٍ
• ذكرت في تغريدة لك أن «الرواية عمل مضن وليس باستطاعة الروائي الكتابة العجلة»، فما تقاليدك في كتابة الراوية؟ وهل شارفت رواية الهنداوية على الانتهاء؟
الرواية عمل مضنٍ للغاية لأن الروائي يتناول حياة متكاملة، وهذه الحياة المتكاملة مكونة من أفراد وتاريخ وسياسة واقتصاد وعلم نفس وأزياء إلى آخر حقول المعارف الإنسانية تنصهر وتنصب على شكل أقوال وأفعال تصدر عن شخوص الرواية، وهي عمل مضنٍ بالنسبة للروائي لأنه يبحث لكل شخصية عن مسوغات الأفكار التي تتواجد بها داخل الفضاء الروائي، كما تعبر أي شخصية عن ذاتها في الواقع، والرواية عمل مضنٍ لأن الروائي مطالب بأن يقنع المتلقي بهذه الشخصيات التي تتحرك مطالبة أم مانحة، وعلى الروائي أن يجهد نفسه في خلق التواصل بين هذه الشخصيات بما يعطي مشروعية أن يتواجدوا في هذا الفضاء، والرواية عمل مضن أيضا لأن الروائي مطالب بتحقيق التوازن بين شخوص وحالات الرواية حتى لا تتغلب إحداها على الأخرى، عليه أن يمسك بالشخصية من أول سطر إلى آخر سطر في الرواية محافظا على تيمتها الإنسانية، وكل هذه الصعوبات تفرض على من يقدم على كتابة الرواية أن يخلص في حبه لها، وإلا سيجرب أول عمل ويهجر عملية كتابتها بعد ذلك، وهناك شواهد كثيرة في تجارب الكتاب تؤيد ذلك، ولقد أدى تسليط الضوء على الرواية إلى إغراء أعداد كبيرة بكتابتها ظنا منهم أن كتابة عمل واحد كفيل بتحقيق الشهرة، لكن لأن الكتابة على تلك الشاكلة ليست عشقا، فقد توقف الجميع وهجروا كتابتها تماما.
• لكن ما تقاليدك في كتابة الرواية؟
إذا كنت تقصد بالتقاليد التخطيط للرواية، فالتخطيط يكون للفكرة، فعادة ما أعمل على الأفكار قبل اختيار الشخصيات، وأهتم بكيفية توزيع الأفكار على شخوص الرواية، لكن قد يكون لدي حدث بلا أفكار، فأشرع في القراءة عن أزمة شخصية الحدث حتى أحملها بالأفكار الإنسانية وأستطيع التأسيس للرواية، فأنا أؤمن أن الرواية إذا لم تحمل أفكارا تصبح حكاية، بينما فن الرواية الحديث يحتم أن تكون هناك أغوار عميقة تحتوى على كل الحقول المعرفية، وبالتالي فالرواية هي في حقيقتها بحث قبل أن تكون رواية.
• هل شارفت رواية الهنداوية على الانتهاء؟
دائما كانت «الهنداوية» هي المنجم الذي أستمد منه أفكار الأعمال الأخرى، فكلما دخلت لكي أكمل «الهنداوية» أخطف منها فكرة وأمضي، وعلى سبيل المثال «الأيام لا تخبئ أحدا» مأخوذة من الهنداوية و«فسوق»، و«ترمي بشرر» كذلك، وفي آخر دخول لي إلى «الهنداوية» كتبت سطرا واحدا «بنت صغيرة يتحرش بها رجل كبير في السن»، لكني شعرت أن الشخصية لم توافق على الانضمام إلى شخصيات الرواية، واشترطت أن تفصح عن ذاتها في عمل مستقبل، فكانت رواية «لوعة الغاوية».
مشكلة «الهنداوية» أن شخصياتها وأحداثها متعددة، لكن إن شاء الله يكون إصداري القادم هو «الهنداوية» إن لم تطرح شخصية دكتاتورية تصر على الاستقلال برواية أخرى.
السرد القرآني
• لماذا لا تطلع الشباب على أسرار الكتابة الإبداعية من خلال لقاءات أو برامج معدة لذلك؟
هناك نوع من الحساسية الشديدة بين أن يكون الكاتب مبدعا أو غير مبدع، ولأن العالم امتلأ بغير المبدعين تستشعر بحرج شديد من تحويل ما تكتب إلى مادة لجني المال، ومن هنا تنشأ الصعوبة في إقناع ذاتك وإقناع الآخرين بأهمية أن تتحول هذه الأشياء التي تكتبها إلى برامج، الأمر الآخر أننا كمجتمع لم ننجح بعد في الوصول إلى ثقافة التلقي من خلال الورش، كأن تكون هناك ورشة لكتابة القصة أو كتابة الراوية، أو كتابة السيناريو، فما زال العمل عندنا قائما على ثنائية المرسل والمستقبل، وبالنسبة لي لم أستطع الوصول إلى قناعة التحول من باث للأفكار إلى بائع لها.
• أشرت إلى أنك عملت على ورقة قدمتها في دبي عن أساليب السرد في القرآن.. فهل تطلعنا على جانب من تجربتك في اكتشاف سمات أساليب السرد في القرآن؟
المساحة المتاحة لن تمكنني من الإجابة عن هذا السؤال، لكن باختصار الورقة حملت عدة ملاحظات ليست شاملة لكنها تكشف عن أساليب السرد في القرآن، بالنسبة لتعدد الزوايا وكسر الزمن، والحشد للحدث، وتداخل الأصوات، واختلاف الضمائر والنهاية المفتوحة، وفي اعتقادي أن الروائيين العرب والمسلمين لم يستفيدوا إلى الآن من القصص القرآني، ولو أن هناك باحثا سلط الضوء على النص القصصي في القرآن لخرج بنتائج مهمة للغاية.
• ما تأثير تواجدك على مواقع التواصل الاجتماعي على مشروعك الإبداعي؟
دائما ما أدعو المبدعين إلى هجرة مواقع التواصل الاجتماعي وإذا تواجدوا فلا يجب أن يطول ذلك أكثر من نصف ساعة كل يوم أو يومين، فالكاتب لا يستطيع أن يتواجد على هذه المواقع لست ساعات ثم يبدع في الكتابة؛ لأن المبدع مجموعة من اللحظات الانفعالية، ومتى تم بثها من خلال مواقع التواصل فقدها أثناء الكتابة، أما إذا ظلت حبيسة فستولد الإبداع لديه، لهذا يتوجب على كل صاحب مشروع إبداعي أو ثقافي أن يهجر مواقع التواصل الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.