لم يتردد عشرات من مصانع المياه التي تحمل شعار «نقية ومعقمة»، في استغلال حاجة أهالي جدة للمياه، واللعب على المواصفات التي تحددها الجهات المسؤولة، لتزداد جيوبهم انتفاخا، فيما تزداد أمراض السكان. لكن الغريب في الأمر أن الرقابة التي تصفها تلك الجهات بأنها «مشددة» ومكثفة، باتت لا تفلح في وقف التلاعب الذي يلمسه جميع من يضطر لشراء تلك المياه من المصانع التي تنتشر بالعشرات في كافة أحياء جدة. «كلنا يشرب، ولا أحد يستغني عن هذه المياه»، هكذا تبدو الصورة لمن يقف على باب أحد المصانع طالبا مياها نقية تروي عطشه وصغاره، لكنه لا يعرف ماذا بداخل تلك الأنابيب التي تنتهي بضخ مياه في جوالين تعبأ يدويا، قبل أن تنطلق بها عشرات السيارات تجوب كل الأحياء لتوزع ما تريد من أمراض بدعوى «مكافحة العطش». بعيدون عن الرقابة يجمع الكثير من المعترضين على وجود تلك المصانع على أنه لا رقابة عليها لا شكلا ولا مضمونا، خصوصا تلك التي تقع داخل الأحياء والشوارع المنزوية والخلفية منها، بل في الوقت الذي يزداد فيه عدد المستهلكين لجوالين المياه المعالجة، أصبح الكثيرون يشككون في صلاحية تلك المياه ومطابقتها للمواصفات واشتراطات السلامة، والطرق البدائية التي تتم فيها تعبئة المياه داخل هذه المحلات، خاصة بعد أن بينت دراسة أجرتها كلية الأرصاد وعلوم البيئة بجامعة الملك عبدالعزيز أن المصانع والجوالين غير نظيفة ولا تصلح للشرب وأنها غير مضمونة. وتجوب السيارات المحملة بالعبوات البلاستيكية (الجوالين) شوارع المدينة وأزقتها والتنافس في جذب أكبر قدر من الزبائن والمستهلكين الذين لا يعلمون ماذا يشربون أو من أين يشربون، المهم أنهم يشربون مياها كتب على عبواتها أنها آمنة وصحية ونقية معالجة من الشوائب وخالية من التلوث، وتصلهم دون عناء الذهاب إلى المحلات لشرائها أو تعبئة الجوالين الفارغة. «عكاظ» قامت بجولة على عدد من مصانع تعبئة وتنقية مياه الشرب في جدة، شمالها وجنوبها، وكشفت التباين الواضح في مستوى النظافة والجودة بين مكان وآخر، ففي الوقت الذي تهتم فيه بعض المحال بالنظافة العامة حفاظا على اسمها وسمعتها في السوق تجد أخرى تعاني من سوء نظافة واضح واستخدام أساليب بدائية، مستغلين خدمة توصيل المياه للمنازل والمحلات. بدأت الجولة داخل المنطقة الصناعية شمالي جدة، حيث توجد الكثير من المصانع ملاصقة لمحلات السمكرة والموبيليا، وتوقفنا عند إحدى السيارات الخاصة بنقل جوالين المياه للمنازل والمحلات التجارية، كان العامل يتصبب عرقا من التعب والصعود والنزول إلى المنازل والمحلات، كانت فوهات الجوالين غير محكمة تتقاطر منها المياه على الأرض، ووضع عليها شريط لاصق شفاف لا يفي بالغرض بأن تكون المياه نظيفة، غير أن الباب واضح من عنوانه، سألناه: أنتم كيف تعملون؟! فأجاب: بالسكوت، ثم أضاف: لا أدري، لا أتحدث العربية، ومنها كانت الإشارة واضحة بأن ما يصل إلى المنازل من المياه ربما فيه تلوث لا يعلمه الكثيرون. بعدها انتقلنا إلى أحد المصانع جنوبجدة ووجدنا انعدام النظافة داخله من خلال مساحة المعمل وانعدام التهوية فيه ومعالجة المياه والتعبئة اليدوية للمياه ولا يوجد بداخله فني مختبر يفحص المياه قبل انتقالها إلى الجوالين إضافة إلى الأنابيب الصدئة التي تضر بالمستهلك عند تعبئة المياه داخل الجوالين. يرى محسن الزهراني أن هناك تباينا في مستوى النظافة بين محل وآخر: «من الملاحظ في الآونة الأخيرة كثرة مصانع المياه والتوصيل المنزلي المجاني مع خدمة الاشتراك، عدد كبير من سيارات خدمة توصيل المياه عليها ملاحظات لا بد من التوقف عنها، فعلى سبيل المثال: السيارات التي تنقل جوالين المياه إلى المنازل غير مهيأة ومكشوفة، ورصها فوق بعض». ويضيف: «لا أخفيك كنت مشتركا مع أحد مصانع المياه التي روجت عن نفسها، وكنت قبلها أتحمل تعب حمل جوالين المياه إلى المحلات والمصانع ووجدت يوما أن طعم المياه متغير، ما يدل على سوء التعبئة، فقررت إلغاء اشتراكي مع المؤسسة الموردة، وتحمل جلب المياه لمنزلي بنفسي، ويجب على الجهات ذات العلاقة مضاعفة فرق التفتيش وتكثيف الجولات لمفاجأة تلك المحال وبشكل مستمر. ويضيف عمر علي باموسى قائلا: نلاحظ انتشار محال تعبئة المياه المعالجة، ولها زبائن كثر وأنا أحدهم، لكنني لا أعرف كيف تعمل تلك المصانع وكيف تتم معالجة المياه، فإذا قصدتها أقف بسيارتي ويأتي العامل يأخذ الجوالين الفارغة لتعبئتها دون معرفة كيف أن تكون التعبئة يدوية أو آلية المهم أن أحصل على الماء بأقل الأسعار، وهو ما يميزها التكلفة القليلة التي لا تتعدى الريالين للجالون الواحد في أغلب المحلات. ويطالب زكي مفتاح أمانة جدة تكثيف جولاتها على المصانع التي تتواجد داخل الأحياء، والتي تنعدم فيها المواصفات وآليات تعبئة المياه داخل الجوالين البلاستيكية، مضيفا أن هناك مصانع معروفة وموجودة في السوق منذ سنوات وتحرص على سمعتها في السوق، غير أن انتشار محال تعبئة المياه بشكل لافت للنظر، وزيادة الطلب من المستهلكين على تلك المصانع يدخل الشكوك في أنفسنا عن مدى حرص بعضها على سلامة المياه ومعالجتها. وفي المقابل، يعتقد الخبراء أن الاعتماد على المياه (الصحية) أو المعالجة مجرد وهم لا يعتمد على حقائق علمية، وأن استخدام مياه التحلية مباشرة من الشبكة في الشرب أمر جيد ومطلوب ومعمول به في كثير من الدول المتطورة، باعتباره يعطي نوعية جيدة من المياه الصالحة للشرب تحت إشراف ومراقبة فنيين مختصين في التعقيم، شريطة أن تكون الشبكة من مواد لا تصدأ وخالية من التآكل. الأمانة: لا تخافوا أكد المركز الإعلامي بأمانة جدة أن جميع مصانع معالجة المياه أصبحت تحت رقابة مشددة، وفق اشتراطات صحية وفنية لضمان حماية المستهلك، وتقديم منتجات ذات جودة عالية، تتطابق مع المواصفات الصحية العالمية، من خلال حملات التفتيش المستمرة عليها. وأكدت إلزام جميع ملاك المصانع بتطبيق تلك الاشتراطات، كما أنها فرضت غرامات مالية وإدارية على المخالفة منها، واستخدمت إلى جانب ذلك عقوبة التشهير كأسلوب جديد تجاه المصانع التي تمادت في مخالفاتها ولم تلتزم بالتعليمات الخاصة بمصانع معالجة المياه.