ينتظمون في الحضور إلى مكاتبهم المهترئة جراء تعامد أشعة الشمس عليها في صباح كل يوم عمل رسمي، أحضروا مكاتبهم منذ سنوات، وعدتهم ورقة وقلم وخبرة يستندون إليها أوقات الحاجة، يخطون على تلك الصفحات البيضاء حاجة المراجعين ويقبضون من ورائها أجورا تكفي لإعالة أسرة وبناء حياة، لم يقض مضجعهم سوى محاولات لاستثمار عملهم من قبل شركات خاصة وإدخال التقنية في العمل الحكومي مما ينفي الحاجة إلى مراجعتهم وإغلاق أبواب مصدر رزقهم. في جولة ميدانية، التقت «عكاظ» بكتبة المعاريض خلف أسوار محكمة جدة العامة للكشف عن أسرار مهنتهم والتعرف إلى مطالبهم من الجهات الرسمية.. يقول طلال الجهني أحد أقدم كتبة المعاريض: عملت في كتابة المعاريض منذ 18 عاما وأحمل شهادة الابتدائية وتعلمت أسرار المهنة من منطلق إعجابي بالتعبير وقدرتي على الكتابة وفهم الصيغ الخاصة التي نركن إلى استخدامها لإيصال حاجة المراجع. وعن كيفية تعلمه للمهنة يجيب ضاحكا: كنا بالأمس نعبر عن الجمل ولكن اليوم يعبرون عن الكواكب، وقد تعلمت المهنة عن طريق سابقين منحوني معرفة المبادئ فقط وقد انتقل بعضهم إلى رحمة الله، وقد سرت على نهجهم وبالممارسة اكتسبت خبرة خصوصا في القضايا الزوجية، وأكثر القضايا التي ترد هي قضايا التظلم والاعتراض على أحكام شرعية، ويحضر المدعي وبرفقته مستندات وأدلة نستند إلى ما فيها من معلومات لكتابة المعروض لأن القضاة يحتكمون في إصدار الأحكام على البينة الواضحة. وانتقد الجهني دراسة بعض المحامين للقانون خارج الدولة ومطالبتهم بمبالغ مالية كبيرة من المدعين، وكشف عن عقوق إحدى الشخصيات الرياضية البارزة لوالده غير السعودي بعد أن حصل على ملكية المنزل بدعوى ترميمه وحبس والده في إحدى غرف المنزل. وأكد الجهني أن مهنته التي يعمل بها تحت لهيب الشمس منحته القدرة على الزواج وتحمل مسؤولية أسرة وإنجاب أربع من البنات ينفق عليهن من دخل عمله الذي يمارسه أوقات الدوام الرسمي للمحكمة، ويشترط على المراجعين مبلغا معينا للكتابة بحسب نوع القضية تتأرجح مبالغها بين 500 وألف ريال، وقد يقدم على كتابة المعروض تطوعا لمن لا يستطع سداد المبلغ، ويخشى وزملاؤه من دخول التقنية الحديثة التي ستلغي الحاجة إلى مراجعتهم. هروب من المحاكمة والتقت «عكاظ» بالمواطن شقير الروقي أحد مراجعي كتبة المعاريض منذ تسع سنوات، الذي اشتكى من تعرضه لعملية نصب خسر فيها أرضه وسيارته ورفع قضية صدر في حكمها استرداده لحقوقه من المدعى عليه بعد أن هرب من جلسة المحكمة، لكن الحكم لم ينفذ. ويعاود الروقي كتابة المعاريض التي لا يجد في جيبه أحيانا ما يسد به حق المعاملة ويتفهم كاتب المعاريض وضعه ولا يطالبه بالسداد. محام بالخبرة فلاح الحربي (كاتب معاريض): خبرتي اكتسبتها في كتابة المعاريض منذ سبع سنوات بعد أن كنت أعمل كمعقب والمردود المادي من عملي في كتابة المعاريض يغطي مصاريف أسرتي، وأعمل أوقات الدوام الرسمي للمحكمة ونسطر الخطابات الرسمية لعدة جهات حكومية مختلفة ما عدا الجوازات ومكتب العمل. وعن سبب توجهه لهذه المهنة يقول: تقاعدت من وظيفتي الأساسية ولم أجد وظيفة أخرى تغطي احتياجات أسرتي المادية ووجدت ضالتي في كتابة المعاريض كون مؤهلي العلمي هو الثانوية العامة، ولدي أربعة من الأبناء وزوجتان، ونطالب الجهات الرسمية بتوفير الكهرباء وتدريبنا على استخدام التقنية الحديثة لأني تمكنت وغيري من اكتساب ثقة المراجعين ونقوم بأعمالنا على الوجه الأكمل ولدينا الخبرة بتفاصيل كتابة اللوائح الاعتراضية والجهات المختصة بكل لائحة وإرشاد المراجعين، ونحن بدورنا نساعد الأميين على تعبئة الاستمارات الرسمية الذين يحضرون إلى مكاتبنا بعد إرشاد موظفي المحكمة لهم إلى وجود كتاب مختصين لمساعدتهم على ملء استماراتهم، وهم بذلك يعترفون بأهمية دورنا بشكل غير رسمي. ويتابع: عرضت علينا إحدى الشركات الخاصة تهيئة المكان بمكاتب على هيئة أكشاك، لكننا رفضنا بسبب ارتفاع المبالغ التي عرضتها علينا الشركة، ولا نحبذ تدخل الشركات الخاصة في مجالنا وإقحام موظفين آخرين في نفس المجال يقاسموننا مصدر رزقنا. ولاحظت «عكاظ» وجود ملف يحمل اسم مواعيد الجلسات الذي أوضح الحربي أنه يسجل على صفحاته مواعيد جلسات المحكمة كونه يحصل على وكالة من بعض أصحاب القضايا للقيام بمهام المحامين، وبين أن الأتعاب المدفوعة له زهيدة الثمن مقارنة بمكاتب المحاماة التي تطالب بعشرات الآلاف، وبين أيضا أن أكثر القضايا التي ترده هي قضايا نصب الأزواج على زوجاتهم كإحدى المعلمات التي رفعت قضية خلع على زوجها بعد أن اتضح أن المبلغ الذي سلبه منها قارب المليونين و700 ألف، وقد أقدمت على رفع قضايا أخرى لاستعادة المبالغ المسلوبة التي اعترف بأخذها في جلسة لإصلاح ذات البين وأنكرها لاحقا أمام المحكمة. ويتابع الحربي قضيتها كمحامي بالخبرة يهتم بتفاصيل جلسات موكليه ويطلع على الكتب المتخصصة في الجوانب القانونية. أتعاب زهيدة عبد الرحيم الجهني يقول: نتمنى أن تنشأ الأكشاك المناسبة لعملنا وتوفير كيابل كهربائية وأن نحصل على طابع رسمي من الجهات المسؤولة وعدم منح وظائفنا كفرصة استثمارية لرجال الأعمال، وقد عملت في كتابة المعاريض منذ 14 عاما بشهادتي الثانوية بعد بحث ثلاث سنوات لم أجد فيها وظيفة مناسبة، واشتريت سيارتي من دخل المهنة ووجدت فيها سدا لحاجة أسرتي المادية واعتبر نفسي محاميا بالممارسة ونأخذ على مكاتب المحاماة مطالبتهم بمبالغ مالية كبيرة لأتعابهم وعدم متابعتهم المباشرة لجميع تفاصيل قضايا موكليهم وإيكالها إلى محامين مبتدئين في كثير من الأحيان. وأكد أن عمله يمثل خدمة للمجتمع ويستحق التقدير لتسهيلهم الكثير من الإجراءات على المواطنين وعدم مطالبتهم بمبالغ مالية كبيرة كمكاتب المحاماة ولا يطالبون برسوم للاستشارات لمساعدة البسطاء من الناس ويتابعون نتائج قضايا الموكلين. وبين أن أكثر القضايا التي ترده هي قضايا فسخ النكاح، وذكر أن قضايا عقوق الوالدين هي المحزنة والكاشفة عن تفشي العقوق كمطالبة أحد المراجعين بطلب زيارة ابنه فقط.