تعتبر منطقة الباحة واحدة من المناطق والمدن العديدة التي تكتنز إرثا كبيرا من فن العمارة القديمة، الذي يبرز في قراها المتناثرة في أنحاء المنطقة، حيث روعي في تصميم مبانيها السكنية وقلاعها وحصونها أن تتواءم مع الظروف البيئية كالتضاريس والمناخ، وأن تتلاءم مع الظروف الاجتماعية كالعادات والتقاليد العربية القديمة. ولعل أبرز ما يميز تلك العمارة القديمة هو اعتمادها على الطبيعة دونما سواها، حيث يبنى البيت من الأحجار والأشجار التي يتم جلبها من مختلف أنحاء المنطقة، وعادة ما تكون من صخور الجرانيت والبازلت التي تزين بأحجار المرو، فيما يسقف البيت بأشجار العرعر التي يتم تغطيتها بالطين. ويمر الفن المعماري في البناء بالمنطقة قديما بعدة مراحل، حيث يتم بداية عمل قاعدة البيت وذلك بحفر «ربض» في الأرض بعمق متر إلى متر ونصف وعرض متر واحد تقريبا، ومن ثم يتم ردمه بالحجارة التي تم تفتيتها سابقا حتى تتساوى مع سطح الأرض لتشكل قاعدة قوية للبناء الذي يبدأ بشكل منتظم، حيث يتم وضع الأحجار فوق بعضها البعض دون استعمال مادة إنشائية تربط ما بينها ما عدا الحجارة الصغيرة والطين اللزج والتراب، وعند الوصول للأبواب والنوافذ يتم وضع «الجباهة» وهي صخرة كبيرة توضع فوق الأبواب والنوافذ ويتم بعدها إكمال المبنى. ولقد أعطى الاختلاف الكبير في المناخ والتضاريس بين سراة المنطقة وتهامتها تميزا واختلافا في الأنماط المعمارية للمساكن وفي مواد البناء المستخدمة وطرق الإنشاء المتبعة، حيث روعي في تصميم المباني السكنية بالمنطقة أن تتواءم وتتلاءم مع الظروف البيئية وكذا الاجتماعية. ولقي الفن المعماري القديم بالمنطقة اهتماما كبيرا من صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة، حيث شهد سموه مؤخرا مراسم توقيع عقد تصميم مشروع القرية التراثية بالمنطقة بتكلفة إنشائية بلغت (35.000.000) ريال. وتتضمن تلك القرية التي تقع على مساحة تزيد عن (100.000) متر مربع على مسرح شعبي يتسع لأكثر من (5000) شخص، ومسجد يتسع ل 500 مصل، وكبائن فندقية ووحدات سكنية ومعرض تسوق ومحلات تجارية ومطاعم وصالة عرض تراثية ومتحف وساحات عامة وغيرها من الخدمات الأخرى التي روعي في تصميم مبانيها الخصوصية والروح المعمارية والرمزية للموروث الشعبي والثقافي لسراة وتهامة وبادية منطقة الباحة. كما لقي الفن المعماري القديم اهتماما من أهالي المنطقة الذين عمدوا في السنوات الأخيرة لتزيين منازلهم واستراحاتهم بالأحجار المنحوتة والأشجار والنقوش وغيرها من الفنون المعمارية المواكبة للذوق الفني القديم المرتبط بحضارة وتاريخ المنطقة.