لو أحصينا مستقبلي العيد كل عام بترديد صدر بيت المتنبي «عيد بأية حال عدت يا عيد» لزاد على الآلاف في يد حسيب، يتنافسون في استذكار الأحداث الحزينة لماضي الأمة واستحضار حاضرها المؤلم لحظة استقبال الأمة لعيدها المفترض فيه تجديد نشاطها وإعادة حيويتها ودفع الكآبة عنها. سوء الأحوال العربية والإسلامية لا يمنع احتفالا بعيد ولا حتى سوء الأحوال المحلية، هذه أمور أمسينا نعايشها لعقود وصرنا «متعودين» عليها، منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع أن الأمة تمر بمنعطف خطير حتى أيقنت أن طريقنا كله منعطفات، وجدلا لو كان كذلك فالحروب والنزاعات حول الحقوق حقيقة أزلية، يقول الحق سبحانه «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض»، ونضال الحقوق صيام آخر نهايته عيد. الواجب أن نألم لإخواننا مسلوبي الحقوق، فلسطين أقدم مثال وبورما أحدث مثال، وباقي مضطهدينا، وأن ندعمهم بما نستطيع، أقله تأييد مطالبهم والدفاع عنها، غير أن كل هذا لا يمنع احتفالا بعيد. أتحدث عن الأجواء القاتمة، حتى لا أقول الحزينة، التي تخيم على أعيادنا ومناسباتنا السعيدة فتحولها إلى لحظات صمت ووجوم انتظارا لنهايتها، العيد ليس كما وصفه البعض فرحة بانتهاء الصوم، بل فرحة بقبوله بإذنه تعالى، وعبدي وما ظن بي، من حقي إعلان بهجتي في صلاة العيد بالتكبير والتهليل جماعيا، وبهجة العيد مشاركتها مع الآخرين، ما المحظور في التغني بذكر الله وتسبيحه والثناء على رسوله سيد الثقلين في نغمة جماعية تموج داخل أنفس مستبشرة بعفو ربها فتتصاعد أصوات فرحها متشابكة تهلل وتسبح برب العالمين، بدلا من الجلوس صامتا أو مستمعا لمن يهمهم جانبي بالتكبير ثم ينفض الجمع حولي قبل بداية الخطبة. ورد عن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، وهو أكثر الصحابة تتبعا لأفعال رسول الله عليه السلام، أنه وجماعة من أصحابه كانوا يهزون جبال منى بالتكبير صباح عيد الأضحى، والهز لا يتأتى لصوت واحد، يا رعاكم الله. حتى الأناشيد الدينية توارت في زحمة الممنوعات الظنية التي اطفأت بهجة العيد. لا أحد يدعو إلى اختلاط أو يقر غناء محرما يؤدى إلى مفسدة بكلمات مبتذلة، بل دعوة الى اظهار الفرحة، فنحن نتغنى بالقرآن الكريم، وليس منا من لا يتغنى به كما قال عليه السلام، وقال أيضا لصحابي سمعه يتلو القرآن بأنه أوتي مزمارا من مزامير آل داوود، ونحن نرفع الأذان والإقامة بمقامات موسيقية يعرفها أصحاب الصنعة، القضية بكل اختصار ممكن، هناك فئة تظن الوقار دلالة التدين والوجوم أدعى للمسلم الكيس، أما إظهار البهجة بأنغام جماعية فلا، هذا رأيهم ومن حقهم قوله، لكن ليس من حقهم فرضه إذ لا إلزام فيما فيه اختلاف. الاصرار على نشر هكذا ثقافة اطفأ البهجة في قلوبنا وغيب البسمة عن شفاهنا مع أنها صدقة، فاختصرت الفرحة على الصغار واكتفى الكبار بتبادل الرسائل، هكذا ثقافة ابتسرت العيد في مهرجانات تسويقية وغيبت روحه الجماعية وخنقت احتفالاته الاجتماعية، لا أقصد روح الحارة القديمة رحمها الله، الأحياء الحديثة تحتاج أيضا تجمعات تقارب ما بين سكانها وتؤالفهم، لم تسند الاحتفالات إلى جهات رسمية وأين دور مراكز الأحياء؟ تحويل دور العمدة لشأن أمني لم يتبعه بديل أهلي، وهذا دور مؤسسات المجتمع المدني، وأهمها المسجد، لو أن لمساجدنا مناشط اجتماعية. سمعت صديقا يشرح لرجل أهمية أفلام مثل «الرسالة» ومسلسلات مثل «عمر» في نشر الإسلام، وقد ثبت ذلك، والمستمع لا يعترف أصلا بأهمية التصوير الفوتوغرافي الذي يعرفه، منتهى علمه أن الفن بمجمله حرام، ويصر على ممارسة الدور القديم لمعلم صبيان القرية الذي لا يعرف إلا ما في كتب شيخه، ولا يدري أن العالم حوله أصبح قرية معرفية بفضل التصوير الخرافي الذي لن يدركه.