حفل شهر رمضان المبارك في تاريخنا الإسلامي بأحداث جسام كنزول القرآن الكريم وفتح مكة في العام الثامن للهجرة، وفتح بيت المقدس عام 15 للهجرة، والأندلس عام 92 هجرية، وبلاد السند عام 96، ثم موقعة بلاط الشهداء عام 114 التي تكررت فيها مأساة موقعة أحد بالحرص على الغنائم، ولولا ذلك لأكمل القائد المظفر الغافقي دائرة الإسلام حول أوروبا ولأصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية. موقعة بدر التي مرت بنا ذكراها قبل يومين والتي أرادها الرسول عليه السلام غزوة يسترد بها بعض حقوق المهاجرين وأرادها المولى سبحانه ليحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين لتكون ثالث معركة إيمانية كبرى في التاريخ البشري غيرت، بالأحرى صححت مجرى التاريخ، الأولى كانت حرب طالوت ضد جالوت والثانية معركة موسى ضد فرعون. ساهمت موقعة بدر في تأسيس وبناء الدولة الإسلامية، تذكرون أعوام ما قبل الهجرة عندما كان عليه السلام يعرض الإسلام على وفود العرب للحج، قابل رهطا من قبيلة الخزرج فآمنوا به، في موسم الحج التالي حضر خمسة منهم واثنان من قبيلة الأوس بايعوه عليه السلام عند عقبة منى فسميت بيعة العقبة الأولى، وكان أول بنودها عدم الشرك بالله والحفاظ على مكارم الأخلاق، وموافقة القائد بالمعروف الذي هو أهم مبادئ الحكم في الإسلام. في موسم الحج التالي جاء من يثرب وفد مكون من خمسة وسبعين فردا من القبيلتين عقدوا مع النبي عليه السلام بيعة العقبة الثانية، تعهدوا فيها بمناصرته وحمايته داخل يثرب إذا هاجر إليهم، ثم تمت الهجرة وهناك أصدر النبي عليه السلام كتاب التآخي بين المهاجرين والأنصار وسمي بالصحيفة ليؤسس به اللبنة الأولى لدولة الإسلام، أو ما يسمى حديثا بالدولة المدنية لولا دعاوى القوم والغلواء، بينت الصحيفة، كأي دستور مدني، حقوق المنتمين للدولة الجديدة وغير المنتمين إليها من سكان يثرب بما فيهم اليهود. موقعة بدر رسمت ميلاد الدولة الإسلامية في أبهى صورها، وقد سبق وكتبت شيئا عن ذلك ولا أريد التكرار إنما أضيف، أن فكرة المناصرة طورت وبدأت أولى الخطوات التنفيذية لمفهوم عالمية الدين الجيد. قبيل بدء المعركة وقف الرسول عليه السلام يطلب مشورة المسلمين، فتأسس مفهوم إلزامية الشورى في دولة الإسلام، حيث قبل عليه السلام بكل ما اقترحه المسلمون، شاورهم أولا بعد هروب قافلة قريش أيعود أدراجه أم يمضي ليقاتل قريشا فأشاروا عليه بالحرب فاستجاب، أخذ بفكرة الخباب بن المنذر رضي الله عنه بالتعسكر حول ماء بدر، وبفكرة سعد بن معاذ رضي الله عنه لبناء العريش علي الرابية للإشراف على المعركة، وقد تأكدت إلزامية الشورى فيما بعد في موقعة أحد، إذ برغم كراهية الرسول عليه السلام لفكرة الخروج من المدينة لقتال المشركين إلا أنه فعل ذلك التزاما بمبدأ الشورى، وفي بدر تأسست فكرة الأخذ بالأسباب، فبرغم وعد الله لرسوله بالظفر بإحدى الطائفتين، إلا أنه عليه السلام أخذ بكل أسباب النصر والتهيؤ للمعركة. في بدر أيضا اكتملت فكرة الدولة المدنية التي أرادها الرسول، استمر في طلب المشورة قاصدا موقف الأنصار الذين بايعوه سابقا بالنصرة داخل حدود يثرب وليس خارجها، والموقف الجديد، الحرب خارج المدينة، يتطلب بيعة جديدة، هنا وقف زعيم الأنصار وقد فهم مقصد الرسول متحدثا عن قومه فقال: كأنك تقصدنا يا رسول الله، ثم صرح بما أسر الرسول عليه السلام وبقوله تمت البيعة الثالثة فاكتمل بناء الدولة المدنية الثالثة في الإسلام، وهو بناء ظل يتطور مع عهد أبي بكر رضي الله عنه في حروب الردة لحماية الدولة الحديثة، ثم في تطوير الفاروق رضي الله عنه لوظائف الدولة الجديدة كإنشاء دواوين الجند وتنظيم المحاكم والبريد وخلافه، وهذا التطوير المستمر هو ما كانت تحتاجه فكرة الدولة / الأمة في الإسلام التي حققت عالمية الدين الإسلامي بالعدل، وهو ما أخذته عنا أوروبا لاحقا فحكمت الدنيا ظلما.