يتجه المشهد المصري إلى إيجاد نقطة التوازن المعقول بين ثلاث قوى رئيسية: الجيش ومصالحه الاقتصادية الواسعة حيث يمثله المجلس العسكري الحالي، والإخوان المسلمون ومعهم قوى إسلامية متعددة التوجهات، والقوى الثورية الشبابية وما يحيط بها من اتجاهات قومية وليبرالية. وفي المحطات الرئيسية التي مرت بها مصر إثر ثورة 25 يونيو 2001، كانت القوى الثورية الأكثر تعرضا للخسائر سواء في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، أو تشكيل لجنة كتابة الدستور، أو الانتخابات الرئاسية، حتى خلت الساحة إلا من المعسكرين الرئيسيين: الجيش والإخوان، وهما الآن بعد 60 عاما من ثورة يوليو 1952 يقفان وجها لوجه في لحظة توافق أو صدام للمرة الثانية من هذا النوع. لذلك، تسارعت الأحداث قبيل جولة الإعادة لانتخاب أول رئيس بعد الثورة، ففي خطوة كانت لها تفسيرات متناقضة ألغت المحكمة الدستورية عضوية ثلث النواب فأصبح مجلس الشعب وكأنه لم يكن، وكرس المجلس العسكري هذا القرار باستعادة السلطة التشريعية من البرلمان المنحل، وأعلن في الوقت نفسه عن قرب تشكيل الهيئة الدستورية التأسيسية، وإصدار الإعلان الدستوري المكمل. ذلك أنه من غير المحتمل أن تكرر الكتلة الشعبية الكبيرة تأييدها لمرشحي الإخوان والسلفيين، فيقوم عند ذلك التوازن بين التيار الإسلامي والتيارات العلمانية في البرلمان وبعد ذلك في لجنة كتابة الدستور. والإعلان الدستوري المكمل يؤمن للجيش استقلالية دفاعية عن كافة السلطات، سواء أكانت مساندة له أو معترضة على صلاحياته السابقة واللاحقة. وعليه، لا يطمح الجيش المصري ليكون حامي النظام كما كان شأن الجيش في تركيا وفي باكستان، بل هو يعمل بالأدوات المتاحة لديه لتكريس هذا الأمر بنص الدستور تارة، وبالدخول في لعبة التوازنات داخل السلطة وفيما بين مكوناتها الرئيسية تارة أخرى. ومع كل المخاطر الماثلة من جراء هذه القفزات البهلوانية تارة إلى الأمام وطورا إلى الوراء، فإن الملاحظ أن العسكر أجادوا إدارة الخلاف بين القوى السياسية، فلم تكن خطوة حل البرلمان مثلا لتزعج القوى الثورية والعلمانية التي وجدت فرصة ثانية لتعديل مواقعها، كما أن ترسيخ صلاحيات المجلس العسكري ليصبح شريكا في صناعة القرار حتى بعد انتخاب الرئيس، يرسل إشارات اطمئنان إلى الأقليات الدينية والسياسية إلى أن الإخوان المسلمين لن يكونوا مطلقي اليد في فعل ما يشاؤون.