شعرت بسعادة غامرة وأنا أطالع فعاليات توقيع عقد كرسي الأمير خالد الفيصل للالتزام بالنظام واحترامه في جامعة الطائف في مطلع الأسبوع بتمويل أحد المواطنين، وأحسبه غيورا على ترسيخ سمو الأخلاق في بلادنا وبرعاية كريمة من أمير جعل همه الأكبر بناء الإنسان والمكان في البقعة الغالية مكةالمكرمة. لقد أكد سموه في هذه المناسبة على «أن احترام النظام والالتزام به لا يكون بالقوة أو بفرض العقوبات الصارمة فقط ولكن بانتشار الوعي وبالارتقاء بالسلوك والأخلاق». نعم سمو الأمير، فالأنظمة لا تنقصها العقوبات فهي موجودة ولكن ينقصنا ثقافة الالتزام من حيث مفهومه وأهميته وإيجابياته وعقلانيته وارتباطه بالخلق الإسلامي القويم والمحافظة عليه، وقياس الالتزام على مستوى الفرد والمجتمع مثله مثل ثقافة الحوار وثقافة الاختلاف ونحن أحرى من غيرنا كما ذكرتم سموكم بأن نضرب المثل في السلوكيات والأخلاق لأن ديننا الإسلام، ولا يجب على المسلم أن يكون بدون أخلاق بل إن المسلم يرتقي بخلق الإسلام. ومن هذا المنطلق فإني قد أختلف مع القائمين على الكرسي بأن يخصص لدراسة الأنظمة المعمول بها في المملكة وتجاوزات المواطنين لها وتقييمها والعمل على تطويرها بطريقة عملية مدروسة بالتنسيق مع كافة الوزارات والجهات المعنية وأن ينطلق الكرسي بدراسات لمشكلات أنظمة الإقامة والعمل والكفالة وكذلك نظام ساهر والأنظمة التعليمية حسب توضيح مدير الجامعة، وأعتقد أن هذا الاتجاه سيشتت مسارات الكرسي ويخرج أبحاثه عن الهدف المنشود الذي ارتآه سمو الأمير في توجيهه بكلمات ذات دلالة لما نتطلع إليه من نتائج أبحاث الكرسي والمناشط التي يمكن أن يطرحها على المجتمع لترسيخ ثقافة الالتزام. لا أعتقد أننا بحاجة إلى دراسة الأنظمة على كثرتها من خلال هذا الكرسي فهناك جهات أخرى من مهامها تحديث الأنظمة وتطويرها وفقا للتقييم الدوري لها. كما أن دراسة مشكلات أنظمة الإقامة والعمل والكفالة تقوم بها وزارة العمل كذلك الحال بالنسبة للأنظمة التعليمية فهي من مسؤوليات وزارة التربية والتعليم. ما نحتاجه من كرسي الأمير خالد الفيصل للالتزام بالنظام واحترامه هو دراسات وأبحاث مستفيضة تخرج لنا أفكارا إبداعية وآليات مبتكرة لنشر وترسيخ ثقافة الالتزام في المجتمع وخاصة ضمن شريحة الشباب باعتبارهم الشريحة السائدة في التعداد السكاني للمملكة. هل سأل أحدنا نفسه لماذا يلتزم بالنظام عندما يسافر إلى أوروبا أو أمريكا ولا يلتزم به في بلده ومجتمعه؟. هل سأل أحدنا نفسه لما لا يلتزم الوافد إلى بلادنا بالأنظمة؟، بالرغم من وجود العقوبات الصارمة، ولماذا لا نلتزم بالأنظمة عندما نسافر إلى دولة عربية؟. هل سأل أحدنا نفسه ما هي مبرراته عندما يتجاوز الأنظمة؟، وهل هي مقنعة له أو مقبولة ؟، وهل ينقص هذا السلوك من سمو الخلق الذي يجب أن يتحلى به كمواطن مسلم يعيش في أرض الحرمين الشريفين؟. وعندما نتحدث عن الأنظمة فإنه من حيث المبدأ أي نظام كان وبالتالي فالمشكلة قد لا تكون في الأنظمة أو العقوبات وإنما في الشعور بالالتزام باحترام النظام أيا كان وهذا الشعور يسكن النفس بالدافع الذاتي والقناعة الذاتية بسمو الأخلاق لدى الفرد ثم المجتمع بما يحثنا عليه ديننا الحنيف، ومن هنا نحن أولى من غيرنا بهذا المعيار الأخلاقي حيث وصف رب العزة والجلال نبينا وقدوتنا في كتابه «وإنك لعلى خلق عظيم» .. وليت الكرسي يركز أبحاثه حول نشر وترسيخ مفهوم الخلق العظيم في المجتمع وأن الالتزام بالنظام واحترامه يجسد طاعة ولي الأمر كما حثنا عليه ديننا الحنيف.. نتمنى من جامعة الطائف إعادة النظر في مسار أبحاث الكرسي ومناشطه بما يعكس مفهومه ويحقق تطلعات سمو الأمير خالد الفيصل في بناء الإنسان.