اتسعت دائرة الجدل حول حليب الأطفال الملوث الذي يدخل لأسواق المملكة، ومدى خطورة ذلك على صحة الأطفال. إلى درجة أن هناك من يقول أن منتجات حليب الأطفال لا تخضع للرقابة. وألقى متخصصون في طب الأطفال بالكرة على كاهل هيئة الغذاء والدواء؛ كونها المسؤولة عن إدخال السلع الملوثة ب(الميلامين) مرة، وبزيت النخيل مرة أخرى، ما يؤثر على الحالة الصحية للطفل ويعرضه لمخاطر، وأشار عدد من استشاريي طب الأطفال، إلى أن هناك 20 نوعا من الحليب في أسواق المملكة بلا رقابة، مطالبين الجهات المختصة بعدم منح تراخيص لشركات حليب الأطفال، وفي الجهة الأخرى هناك الصيادلة، الذين نأوا بالمشكلة إلى زاوية أخرى، بقولهم إن هناك عددا من شركات الأدوية تسيء تخزين علب الحليب ما يؤثر على صلاحية تلك السلع. يقول الدكتور محمد الغامدي استشاري طب الأطفال: هناك تزايد لعدد الشركات لحليب الأطفال، ما أدى إلى فوضى كبيرة في السوق «بحيث أصبح هذا السوق محتويا على أكثر من نوع وتندرج تحت كل نوع منها ستة أو سبعة أنواع مختلفة، وجميع منتجات تلك الشركات لا تخضع لرقابة وفحوصات دورية، الأمر الذي أدى لظهور العديد من المشاكل ونسمع في كل مرة عن تحذير من نوع معين». وأوضح استشاري التغذية العلاجية ونائب جمعية العلوم والغذاء سابقا الدكتور خالد علي المدني، أنه يجب التفريق بين التلوث العفوي (غير المقصود) والتلوث المتعمد، الذي قد يحدث في نوعيات من الحليب، فالتلوث العفوي قد يحدث نتيجة أخطاء أثناء إعداد الحليب أو وضعه في المعلبات مثل أن تكون الأيادي غير نظيفة، أو العلب ملوثة، ويتم التعامل معها مباشرة دون انتباه «أما التلوث المتعمد فهو التلوث المقصود مثل ما حدث في الصين عندما أضافت الشركة المصنعة للحليب مادة الميلامين لتعزيز مستويات البروتين، وهذه المادة تصبح سامة يتعذر هضمها إذا زادت كميتها عن مستوى معين، وهي مادة كيمياوية عضوية توجد عادة على شكل بلورات بيضاء غنية بالنتروجينِ وكثيرة الاستعمال في المصنوعات البلاستيكية، والمواد اللاصقة، وأطباق الطعام والسبورات البيضاء». وأضاف مدني «الاستهلاك الزائد من مادة الميلامين يؤدي إلى تضخم الكلى وإصابتها بضرر دائم، كما تؤدي إلى تكون الحصوات الكلوية والانفعال، والانفعال وارتفاع الضغط، حيث إن أية نسبة تتعدى ال0.1 ملغم من الميلامين لكل كيلوغرام من الحليب تعد غير آمنة على صحة الأطفال، أما بالنسبة للبالغين فإن الحد الموصى به هو 2.5 ملغم». ورأى الدكتور المدني أن ظاهرة سحب الحليب الملوث أو الأدوية أو أي منتج هو توجه عالمي لضمان سلامة صحة الإنسان، فما يحدث أن المنتج عندما يدخل البلد ويتم فحصه مخبريا يعطي مؤشرا لسلامة المنتج، حيث تعطي نتائج التحاليل سلامة المواد بطريقة لا يلاحظ فيها الغش أو الخداع «ولكن مع إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث لدى الهيئات المتخصصة، يكتشف في ما بعد أن كمية المادة المضافة لا تتفق مع المعايير والمواصفات العالمية المطلوبة، فيتم رصد المشكلة والإعلان عن سحب المنتج في حينه؛ تجنبا لأي أضرار تنعكس على صحة الإنسان»، موضحا «وأحسنت هيئة الغذاء والدواء عندما أعلنت عن سحب العديد من المنتجات المختلفة من باب التأكيد على سلامة صحة الإنسان». وخلص الدكتور المدني إلى القول بأن تعدد أصناف المنتجات وأنواعها ضاعف من مسؤولية المراقبة لتأكيد ضمان الجودة في المحتوى، والاطمئنان على سلامة العناصر المحتوية وأنها لا تسبب أو تمهد لأي أمراض تهدد الصحة. ظاهرة غير صحية ورأى عضو الجمعية السعودية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية لدى الأطفال الدكتور معاذ التريكي، أن إغراق السوق السعودي بمنتجات حليب الأطفال المجفف ظاهرة غير صحية وتشكل انعكاسات سلبية في الوسط الصحي المختص بصحة الأطفال الصغار وتحديدا المواليد، لافتقادها للمعايير والمواصفات العالمية، مبينا أن هناك أكثر من 25 نوعا من الحليب منتشرة في الصيدليات، منها فقط خمسة منتجات معروفة ومعتمدة على المستوى العالمي، بينما الأنواع الأخرى فتنتسب لشركات غير معروفة ويتم استيرادها من دول أوروبية وتركيبتها غير واضحة وتفتقد إلى مأمونية المنتج. وألمح التريكي إلى أن وجود أنواع عديدة غير معروفة ومستوردة من الخارج يربك الشأن الصحي، ويضع أمام الطبيب خيارات غير موفقة في اختيار النوعية الملائمة للطفل أو المولود، لا سيما إذا كان هناك ترويج مسبق من قبل الشركات في تزويد الأطباء وتشجيعهم على ترويج نوعيات محددة، وانتهى الدكتور التريكي إلى القول «إن وجود رقابة وآلية محددة من الجهات ذات العلاقة يضع ضوابط مقننة في التعامل مع منتجات الحليب المجفف، ويحدد النوعيات التي تفيد الأطفال في ظل اكتشاف أنواع تحتوي على بكتيريا وغير ملائمة على صحة الأطفال، ويمنع تلاعب الشركات في هذا الجانب»، مقترحا في هذا الجانب، إجراء دراسة شاملة وفاحصة لجميع أنواع الحليب المجفف وإخضاعها لمزيد من الفحوصات المخبرية في المختبرات العالمية الحيادية، للتأكد من عدم احتوائها على عناصر مجهولة وخلوها من الشوائب والبكتيريا، ومطابقتها بالمواصفات والمعايير العالمية. تحاليل مخبرية ورأت أخصائية التغذية الدكتورة رويدا إدريس، أن وزارة الصحة ملزمة بعدم الإفساح عن أي منتج إلا بعد إجراء سلسلة من الفحوصات والتحاليل المخبرية اللازمة لأي منتج، حتى لو أدى الأمر الى تأخر الإفساح ضمانا لسلامة وجودة المنتج، ففي ظل تعدد أشكال وأنواع الحليب أصبح من السهولة تمرير منتجات تحمل أسماء عالمية يكتشف بعد فترة أن مكونات منتجاتها تجاوزت الحدود المسموح بها في بعض العناصر، ومن هنا فإن الاطمئنان على الاشتراطات المطلوبة ضروري قبل الإفساح عن أي منتج غذائي. ولفتت الدكتورة رويدا إلى أن سحب أي منتج وخصوصا إذا كان حليبا أو دواء، فإنه يسبب إرباكا لدى المجتمع «لأنه لا يعرف عدد الذين استهلكوا هذا المنتج ولكن قرار سحبه هو قرار ايجابي يهدف في الأخير لسلامة صحة الإنسان، كما أن تأثير ذلك قد لا يكون مباشرة، وإنما على المدى البعيد عكس منتجات الحليب الذي يشكل أسرع أنواع التسمم في حالة تعرضه للفساد، أو مشاكل أخرى كما حدث العام الماضي في الصين، عندما تناول الأطفال الحليب المزود بنسب عالية جدا من الميلامين فتعرضوا للوفاة فيما تعرض غيرهم لإصابات حادة في الكلى». وأكدت الدكتورة رويدا على أن هناك جملة من الاشتراطات لضمان صلاحية المنتجات منها تطابق مواصفات واشتراطات المواد المحتوية في المنتج، وحفظ وتخزين المنتج بعيدا عن عوامل الرطوبة والحرارة. سوء التخزين من جهتهم، أجمع عدد من الباعة في صيدليات عدة في جدة، على أن سوء التخزين وقرب انتهاء الصلاحية خلف فساد مختلف أنواع حليب الأطفال في المملكة، مؤكدين عدم وجود أية مشكلات أو تحذيرات عن فساد حليب للأطفال. وقال الصيدلي أحمد حسن: يظل حليب الأطفال من أهم المنتجات التي تتابعها وزارة الصحة بدقة، وأضاف «حليب الأطفال سلعة مهمة وتحرص الوزارة على متابعة عمليات بيعه وتسويقه، وقبل عام شاعت شائعة تشير إلى أن إحدى الدول وجدت طفيليات وحشرات في أحد أنواع الحليب، وقامت وزارة الصحة في المملكة بسحب الحليب إلى أن تم التأكد من عدم صحة تلك الشائعة التي طالت إحدى كبرى الشركات المنتجة للحليب في إحدى الدول، أما في الوقت الحالي فلا يوجد هناك أية أضرار من الحليب سوى ارتفاع أسعاره الذي يشتكي منه المستهلك بشكل دائم». وبين سامي عبدالغفور أيضا، أن كل الشركات المنتجة للحليب تحرص دائما على إنتاج الحليب وإخضاعه للتحليل المخبري الدقيق قبل توزيعه في الأسواق، وأكد أن من أهم أسباب تلوث الحليب سوء التخزين وبيعه قبل نهاية صلاحيته بأشهر قليلة «وهذان السببان يسهمان وبشكل كبير في تعفن الحليب»، مشيرا إلى أن بعض المحلات غير المتخصصة مثل محلات المواد الغذائية والأسواق التجارية تبيع الحليب في أجواء غير صحية تختلف عن مواقع البيع الطبية مثل الصيدليات، مطالبا وزارة التجارة بالتدخل بجانب وزارة الصحة لسحب كل منتجات الحليب التي تباع في الأسواق غير المرخصة، والمحلات التجارية بخلاف الصيدليات الطبية المخصصة. هيئة الغذاء تمنع الدكتور إبراهيم المهيزع المدير التنفيذي لقطاع الغذاء في هيئة الغذاء، أكد قائلا «ليس هناك حليب ملوث دخل المملكة، والتحذير دائما قبل الدخول، وفي أوقات يتم التحذير بعد دخوله»، مشبها المشكلة ب«السيارات التي تدخل المملكة ولم ترصد الجهات المعنية أية مشكلة فيها، وبعد ذلك تظهر عيوب تصنيع في دولة من الدول ويتم طلب الفحص على جميع السيارات الموجودة في المملكة، وإذا كان يمكن تفادي الخلل يتم إصلاح المشكلة أو طلب عدم استخدام السيارة إذا وجدوا أن العيب لا يمكن إصلاحه، وهذا ما يحدث معنا في الهيئة»، وعن الميلامين وسحبه من الأسواق أضاف المهيزع «الميلامين لم يكن من الملوثات الاعتيادية، لكن الصينيون استخدموه في أغراض ليست أغراضه المعروفة والسليمة، فلم يكتشف ضرره إلا بعد أن ظهرت أعراضه على الإنسان، وعندها أوقفناه، فلا تلام هيئة الغذاء على هذا الأمر لأن اكتشاف ضرره عالميا تم بعد دخوله، ولا يحق لنا أن نخفي ضرره، ومن واجبنا أن ننبه عنه ونوجه بسحبه، والمواد الكيميائية بالآلاف والميلامين هو جزء منها، ولا يصنف على أنه من الملوثات الطبيعية، وفي مثل هذه الحالات يجب علينا أن نحذر الناس ولا نسكت، لذلك تحذر الهيئة من فترة إلى أخرى عن هذه المشاكل». كما تحدث الهزاع عن عملية سحب هذه الملوثات كحليب الأطفال أو غيره بقوله «المسؤولية تقع على التاجر، إذ يجب عليه سرعة سحب المنتج من السوق، وفي حال ظهور مضاعفات بسبب تأخر السحب يتحمل كامل المسؤولية ولا ذنب لهيئة الغذاء والدواء في تلك المشكلة، ولا حتى وزارة التجارة ولا البلدية، فليست مسؤوليتهم، وإذا ساهموا بسحبها فذلك من باب التعاون». وأشار المهيزع لما حدث سابقا في الزيتون المستورد من إيطاليا الذي تعرض لتسمم (بروتسوليني)، وقال إن هذا التسمم خطير جدا فأي شخص يأكل منه أو تذوق جزءا بسيطا منه، فإنه معرض للوفاة «وفي هذه الحالة لو تأخرت وزارة التجارة أو البلدية في سحب المنتج، فإنها لا تلام ولا تتحمل المسؤولية لأنها مسؤولية التاجر وحده، والمعتاد في مثل هذه الحالة أن تخاطب الشركة المصدرة الوكيل، ولا تخاطب الجهات، وتطلب منه سحب الكميات التي استوردها، وتعمل الشركات الكبرى على هذه الخطوة كي لا تتضرر سمعة المنتج، فهم يتحدثون مع الوكلاء بشكل مباشر، فإذا تكتم الوكيل على الأمر ولم يتعامل مع الموقف فإنه يتحمل كامل المسؤولية وتتولى وزارة التجارة فرض عقوباتها عليهم، لكن عموما هو غش وهناك قوانين تحارب الغش». وعن حليب الأطفال يقول المهيزع: إن مهمة الهيئة تكون في الفحص المبكر عن السلعة قبل دخولها للمملكة، ودورها التأكد من مدى صلاحية استخدامها آدميا، ولكن بعد أن تدخل إلى السوق «فليست من مهمتنا، لأننا لا نملك صلاحية مراقبة الأسواق المحلية، وهناك جهات أخرى مسؤولة عن الرقابة في الأسواق، لكننا نعمل رصدا ونأخذ عينات من السوق ونخضعها لفحص، فإذا وجد شيء فاسد أو تغيرت المواصفات أو الخصائص الطبيعية، فبالتأكيد سيتم إجراء اللازم، ونحن نشدد في المنافذ على التأكد من سلامة أي حليب للأطفال، لأن هذا غذاء معد لفئة خاصة وحساسة، ونحن نطور هذه العملية بحيث سيتم تشكيل لجنة من متخصصين في تغذية الأطفال ومن هيئة الغذاء والدواء وأساتذة في الجامعات ومن المستشفيات، لمراجعة اللوائح الموجودة وتحديثها».