زرت مصر مرتين للعمل وتأكد لي أن لها نكهة خاصة هي سبب عشق الكثير من السياح الخليجيين والعرب والأجانب. تجولت في شوارع القاهرة المقهورة كما يصفها المفكر الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري ورأيت صورة واضحة لتراكم الفساد السياسي والإداري والضيق المعيشي الذي يلف حياة الملايين من المصريين إلا أن الطيبة وحس الطرفة والظرف حاضرة في كثير من المواقف. تبقى مصر علامة فارقة في التاريخ الإنساني، فقد أضافت لكل الحضارات التي حلت أو مرت بها من المصريين القدماء والفراعنة والرومان إلى العرب والمسلمين. تستمر مصر في أهميتها الجيوسياسية، رغم الظروف الراهنة، لأشقائها العرب وللأصدقاء والأعداء. ولهذا يتابع العالم اليوم مخاض الثورة المصرية ومآل الانتخابات الرئاسية التي تزداد سخونة كلما اقتربت من خط النهاية. المصريون يجمعهم حب بلادهم حد العشق وتفرقهم السياسة خصوصا أن التجربة الديموقراطية بمعناها الحقيقي جديدة عليهم وتحوطها كثير من المخاوف. يحلم المصريون بحكومة دستورية تصون مصالحهم وتحسن أوضاعهم الاقتصادية، والبسطاء يتطلعون إلى حياة كريمة في حدها الأدنى وليسوا معنيين بالمهاترات السياسة والمنافسات الحزبية. الشعب المصري الذي سيكمل إحدى حلقات العملية السياسية بانتخاب الرئيس ينتظر بشغف كيف ستواجه الحكومة الجديدة التحديات الضخمة والمسؤولية الوطنية والأخلاقية في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد والنهوض باقتصادها المنهار وبناء مؤسسات قادرة على الوفاء باحتياجات سكان المدن المكتظة والكفور والنجوع والأرياف على حد سواء.. لا بد أن يتجاوز المصريون الرؤى الحدية والإقصائية ويبدعوا خطابا سياسيا جديدا ويمارسوا التعددية الخلاقة التي تستوعب كل التيارات فقد سبقتهم دول مثل كوريا الجنوبية وماليزيا رغم عمرهما القصير بعد الاستعمار مقارنة مع مصر، في وقت لا مكان فيه للكيانات الضعيفة. هل يصبح الحلم المصري حقيقة ونشهد ميلاد دولة يسود فيها القانون وتتساوى فيها الفرص وتضمن الحريات وحقوق الإنسان في جو من الشفافية والمسؤولية، أم أن سيناريو الثورات العربية يتجه نحو نهاية مأساوية كما تفيد دروس الماضي القريب. * أكاديمي وكاتب.