إن ظاهرة الغش التجاري والتقليد ليست حالة مستحدثة، بل هي ظاهرة عالمية اقتصادية واجتماعية قديمة وتزدهر بازدهار حركة التجارة وارتخاء الأنظمة، لا سيما في الدول التي تنتهج نهجا حرا في أسواق مفتوحة ومزايا تفضيلية للمستوردين والمصنعين والتجار على حد سواء، والمملكة مثلها مثل بقية الدول حيث إن أسواقها مفتوحة ومعرضة لمثل هذه الظاهرة. والأجهزة والتوصيلات الكهربائية أحد أهم فصول الغش التجاري ولا يمكن إغفال المخاطر الناجمة عنها وما تشكله من خطورة بالغة على سلامة مستخدميها وممتلكاتهم وما يمكن أن تتكبده الحكومة، والأفراد من نفقات كبيرة في حال حدوثها، حيث إنها قد تكون سببا في وقوع الحرائق أو وفاة الكثير من المواطنين، في حال التهاون أو الإهمال في اتخاذ احتياط السلامة واتباع التعليمات أثناء تنفيذ الشبكات والتمديدات والتوصيلات الكهربائية أو عند شراء أو استخدام الأجهزة والمعدات الكهربائية غير المطابقة للمواصفات القياسية، وباعتراف مسؤول في وزارة المياه والكهرباء بأن المملكة تستورد الكثير من الأجهزة متدنية الجودة وأنها تسبب خللا في تشغيل المنظومة الكهربائية بالمملكة، وتؤدى إلى رفع استهلاك الكهرباء، وتزيد من الفاقد، نتيجة ارتفاع القدرة غير الفاعلة لهذه الاجهزة، ويؤكد في تقريره أن حجم المنتجات والسلع المستوردة في القطاع الكهربائي يفوق حجم المنتجات والسلع المستوردة في قطاع النقل وكذلك قطاع الغذاء، إلا أن الرقابة على هذا القطاع تعتبر منخفضة (منعدمة!) مقارنة بحجم المخاطر الكهربائية المحتملة من استخدام منتجات رديئة غير مطابقة للمواصفات القياسية. لقد أصبح تفشي ظاهرة التقليد والغش التجاري في الأجهزة الكهربائية في الوقت الراهن معضلة (مصيبة!) في الأسواق وللمستهلك في المملكة خصوصا إذا علمنا أن حجم خسائر السوق السعودي من الغش التجاري وتقليد العلامات التجارية يقدر بأرقام فلكية. وفي تصريح لنائب الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للمختبرات الخاصة (مطابقة) أوضح أن السوق يعاني من كم هائل من الأدوات الكهربائية المقلدة، التي تشهد إقبالا كبيرا من المستهلكين، خصوصا في المجمعات التجارية، وتوجد الكثير من الأدوات الكهربائية الرديئة التي تباع داخل المحال التجارية المخصصة في بيع الأدوات الكهربائية، وبعض السلع المعروضة لا تحمل علامات تجارية أو ماركات معروفة، الأمر الذي جعل المستهلك في حيرة من أمره. وتبين الإحصائيات أن واردات المنتجات الكهربائية في العام الواحد أكثر من 100 مليار ريال، وتبلغ القيمة الإجمالية للمنتجات والسلع الكهربائية غير المطابقة للمواصفات أو غير الصالحة للاستعمال أكثر من 400 مليون ريال. ونتيجة لذلك الاستيراد تشير تقارير إحصائية من إدارة الدفاع المدني إلى أن عدد حوادث الحرائق العام الماضي بسبب التماس الكهربائي وصل إلى 44.000 حادث، 45% منها في القطاع السكني، وأن عدد حالات الوفاة بسبب الحوادث الكهربائية 185 حالة، وأن عدد حالات الإصابة بسبب الحوادث الكهربائية 1466حالة. وختاما توجد جهات حكومية مثل وزارة التجارة والدفاع المدني والمواصفات والمقاييس وحماية المستهلك جميعها تعمل في إطار الحماية والوقاية، إلا إن ارتفاع عدد الحوادث والحرائق بسبب الأجهزة الكهربائية يمثل جرس إنذار في جودة تلك الأجهزة والتوصيلات الكهربائية الرديئة المنتشرة بشكل مخيف في الأسواق المحلية والمستخدمة في المنازل والإدارات الحكومية والمنشآت التجارية، كما أنها تشير إلى وجود خلل يتطلب منا جميعا الوقوف بحزم وصرامه للتقيد والالتزام بالمعايير والمواصفات المعتمدة في تلك لأجهزة وعدم التهاون بشأن جودتها، وإنزال العقوبات الرادعة على كل من يهدف إلى إدخال الرديء من الأجهزة ليتربح بأرواحنا وممتلكاتنا، كما أنه من المهم استخدام عمالة فنية مدربة في أعمال الكهرباء لديها شهادة ممارسة وخبرة معتمدة من الجهات المسؤولة. إن ما ذكر يحتاج إلى توحيد الجهود في الأجهزة الحكومية والأهلية ذات العلاقة والبحث عن الحلقة المفقودة التي من خلالها تنفذ تلك الأجهزة الرديئة وهذا واضح في كمية ما يدخل من تلك الأجهزة ويباع والتي يمكن التحقق من وجودها بزيارة المحلات المعروفة والمشهورة والمنتشرة في المدن الرئيسية لترى بأم عينك حجم المشكلة المنتشرة في السوق وكمية السلع الرديئة!. دمتم سالمين. [email protected]