يجب عليكم أن تتوقفوا عن هذا العبث فورا، يجب عليكم أن تدرسوا وتجتهدوا وتسهروا الليالي الطوال لتحققوا الدرجات العليا والشهادات الكبرى، يجب عليكم أن تستخدموا جميع الوسائل والسبل لتحصلوا على مناصب مشرفة ومرموقة، يجب على كل واحد منكم أن يتقمص دور الرجل التقي في كافة حركاته وسكناته وعلى كل واحد منكم أيضا أن يحسن كثيرا من هيئته الخارجية وأعماله الظاهرة حتى تسر له الأنظار وترتاح له الأنفس، فيكتفي بذلك كل من يريد أن يحكم على أخلاقه ومدى زهده وورعه فيمنحه الثقة الكاملة والصلاحيات المطلقة التي تكفل له أن يسرح ويمرح دونما حسيب أو رقيب !؟. هذه العبارات الرنانة لم تكن في مجملها (خطبة عصماء) كما هو ظاهر منها، بل كانت في حقيقتها المخفية عبارة عن وصية ملغمة منسوبة للص محترف يحتضر في وكره المهجور والمجهول، قيل بأنه كان يمليها على زملاء وتلاميذ المهنة بأنفاس متقطعة ووجه شاحب وعينين شاخصتين، وقيل إن هذه الوصية المختصرة ما هي إلا خلاصة تجربته الشخصية لعقود ممتدة وطويلة في عالم اللصوصية، بعد أن اكتشف متأخرا بأنه لم يكن بذلك الذكاء الشديد كما كان يعتقد، ولم يكن قاسيا بما فيه الكفاية كما كان ضحاياه يصورونه، وقد تأكد بنفسه بأن هناك من يفوقه تعديا وإجراما وبعدا عن الله !!. وبحسب المفهوم المتأخر الذي توصل إليه هذا اللص المخضرم، فهو يرى بأنه إذا كان قد تمكن في زمنه من الإيحاء لضحية أو أكثر حتى نال منهم لمرات محدودة بعضا مما يريده، فغيره قد نجح في إيهام مدينة بأسرها حتى نال مراده لمرات عديدة !، وإذا كان قد تمكن في زمنه من السطو على فيلا صغيرة، أو قطع طريقا مظلما ومهجورا، فغيره قد نجح في وضح النهار في إتمام سلب آلاف الأمتار من الأراضي وملايين الريالات من المناقصات!، وإذا كانت جرائمه المتفرقة قد نجحت أحيانا بفعل احترافيته واكتشفت أحيانا كثيرة ليقظة الأمن أو لسوء الطالع، فغيره اختفت أفعالهم تماما، ومنهم من مات ودفن سره معه للأبد!، ومنهم من لايزال يعيش حياته في بذخ ورفاهية، حتى أن جرأة الواحد منهم تدفعه دونما حياء ولا خوف في كل محفل أو مناسبة ليتقدم منسوبي الجهة التي يرأسها أو يتقدم أعيان ووجهاء عشيرته !!. وأخيرا : توفي ذلك اللص، تاركا الحسرة والحيرة في عقول تلاميذه، وهم ما بين الرغبة في المضي بطريقه المعهود وما بين إنفاذ وصيته بالتطلع لنيل أعلى المراتب والتكسب من ورائها، ولكن كيف يكون لهم ذلك ؟!. وقد جدت أمور كثيرة، وقد سمعوا مؤخرا بكبار ( لصوص المدينة) وهم يحتجزون في الزنازين ويساقون إلى التحقيقات ويقدمون إلى المحاكمات، سعيا من الحكومة وراء إحقاق الحق ونصرة المظلومين، حتى أنه لم يعد هناك من خيار ثالث أمام كافة اللصوص إلا الخروج من أوكارهم وإعلان توبتهم النصوح. [email protected]