حصلنا على فيتو مزدوج، غير متوقع لحد ما، كانت نسبة إمكانية تمرير القرار مقبولة. إلا أن موسكو أفرغت القرار من العديد من النقاط المهمة. تذرعت روسيا بالتدخل العسكري، والعقوبات، وإجبار الأسد على التنحي، فحذفت جميعها من مشروع القرار. بقي سطر واحد لا تستطيع موسكو طلب إزالته: دعم المبادرة العربية كاملة (التي تنص على تنحي الأسد). لذلك صوتت روسيا (والصين) بالفيتو، بسبب هذا السطر تحديدا. لكن لماذا تغطي موسكو نظاما متهاويا وقاب قوسين أو أدنى من السقوط. الجواب هو أولا: أن روسيا تشعر من خلال الملف السوري أنها عادت إلى الساحة الدولية كلاعب أساسي، وأصبحث تستطيع المنافسة على السياسات الدولية، وابتزاز المجتمع الدولي،و فرض أجندتها الخاصة. بمعنى أن رأس وزير الخارجية الروسي «كبر» لحد أنه امتنع عن الإجابة على مكالمات وزيرة الخارجية الأمريكية. كما أن دعوة موسكو لحوار يجري على أراضيها لا يهدف لإنهاء الأزمة وحقن دماء السوريين أكثر مما يهدف لإظهار روسيا كلاعب دولي له دور في الساحة الدولية. ثانيا:إن الحملة الانتخابية لبوتين (الذي يواجه صعوبات كبيرة في حملته) تعتمد على قدرته على إظهار موسكو كطرف دولي قوي، وكقطب ند للولايات المتحدة. هذا ينعكس في الملف السوري. و زاد الوضع سوءا لبوتين أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وصفت انتخاباته الأخيرة بالمشوبة بالعيوب والانتهاكات وهذا أثار جنون موسكو التي بدأت ترى الولاياتالمتحدة تتدخل حتى في عقر دراها. الأمر الثالث: هو أن مصالح روسيا مع النظام السوري القائم كبيرة ومتشابكة . فسورية هي منطقة النفوذ الروسية الوحيدة التي بقيت في المنطقة، ممثلة بميناء طرطوس العسكري. صفقات السلاح أمر أساسي أيضا. ودعم نظام الأسد يعني بشكل غير مباشر دعما لطهران. والمسألة الرابعة هي أن روسيا ليست على حياد في هذه المعركة باعتبارها طرفا يقف إلى جانب النظام. وحاولت موسكو إجهاض العملية السياسية عبر الفيتو الذي ينتج عنه مباشرة فشل المبادرة العربية وإنهاء دور كل من الجامعة العربية ومجلس الأمن والمجلس الوطني السوري، على اعتبار أن التقدم السياسي اصطدم بجدار وأصبح غير ممكن، وبالتالي إخراج المجلس الوطني السوري من المعادلة كلاعب ونقلها للمنشقين والمسلحين الذين سيكون لهم دور وكلمة أكبر. لكن هل قامت المجموعة الغربية (الولاياتالمتحدة تحديدا) بما يكفي من ضغوط لحسر دور موسكو أو حتى إحتوائه؟ للأمانة، لا، فالإدارة الأمريكية ترفض مبدأ «الابتزاز الروسي» من وجهة نظرها. ولن تقدم لروسيا شيئا، وستتركها تواجه العزلة الدولية وخسارة الحلفاء والخجل بسبب سياستها تجاه سورية. وطلبات روسيا أكبر مما تستحق وأكبر مما يمكن لأي طرف أن يقدم. روسيا تطلب من أمريكا إيقاف برنامج الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا والولاياتالمتحدة لن تقدم لها شيئا.وفي النهاية بعيدا عن كل التحليل السابق . إلى أين أوصلنا الفيتو الروسي يمكن القول إن الفيتو أدى أولا لإنهاء العملية السياسية وبالتالي إيقاف دور المعارضة السياسية كما أسلفت. ثانيا: ارتفاع وتيرة المطالبة بالسلاح والتسليح ودعم الجيش الحر للاعتماد على الذات.