يا للهول.. إنه عام 2012، إنه العام الذي زعم كثير من الناس حول العالم أن هذا الكون ينتهي بحلوله، وأن أول يوم فيه هو خاتمة أيام الدنيا. وإذا كنت لا تزال تقرأ هذه السطور، فأغلب الظن أنك تضحك الآن من سخافة هذا الزعم، لأنك لا تزال حيا تكرر ذات العادات: تستيقظ في الصباح وتستحم وتتناول إفطارك وتخرج إلى عملك وتمضي خلال يومك، وكأن عام 2012 لم يكن. والآن إليك الخبر اليقين: أنت واهم، لقد تحققت النبوءة ودنيا الأمس قد انتهت فعلا، هذا الكون الذي نعيشه اليوم هو كون جديد، وليس هو ما كنا نعيشه في الماضي، كل شيء فيه قد تغير بأبسط تفاصيله، حتى أننا لا نكاد نميز شيئا، وهذه الحقيقة لا تنطبق على شيء بالقدر الذي تنطبق فيه على قطاع الدعاية والإعلان، وعن هذا القطاع أحدثكم. أين كنا بالأمس: إنني نشأت كطفل في جيل عاصر بدايات تقنين صناعة الإعلان في المملكة، عندما تم لأول مرة تخصيص فترة معينة بعد الأخبار وقبل المسلسل المسائي باسم (الإعلانات التجارية)، أتذكر أننا كنا ننتظر فترة الإعلانات بمنتهى الحماس، لأنها كانت جديدة وممتعة بمقاييس ذلك الزمن، وكنا نحرص -كبارا وصغارا- على إنهاء كل مشاغلنا ومتعلقاتنا لحضور الإعلانات من بدايتها، حيث كانت أهميتها بالنسبة لنا لا تقل عن أهمية المسلسل الذي يليها، فإذا بدأت فترة الإعلانات وأحد أفراد العائلة في الغرفة المجاورة أو المطبخ، كنا نصرخ فيه «جاءت الإعلانات»، فيأتي مسرعا ويأخذ مكانه أمام الشاشة، وما زال معظم أفراد جيلي إلى اليوم يحفظ بعض هذه الإعلانات عن ظهر قلب. أين وصلنا اليوم: لقد جاء الوقت الذي شعر فيه كثيرون أن طرقنا التقليدية في ابتكار الإعلانات وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، وباتت تعاني من أمراض القلب والسكر والضغط وهشاشة العظام، وأصبح الكم الهائل من الإعلانات التي نتلقاها كل يوم، مثل كومة كبيرة من القش فارغة وهشة، وكل عود منها يشبه الآلاف من أعواد القش الأخرى، ذلك لأننا -في مجمل حملاتنا الدعائية- نعيد ذات الأفكار وذات القوالب الدرامية الساذجة وذات النكت المفتعلة وذات المبالغات، فقط بوسائل تكنولوجية أكثر تقدما رغم أن الفرق شاسع بين الأمس واليوم، في مجتمع شاب ذي طبيعة خاصة، يتغير ويتطور ويتقدم على المستوى الفردي بأضعاف السرعة التي تتقدم بها الأفراد في المجتمعات الأخرى، ولا نكاد نذكر آخر مرة رأينا فيها إعلانا أدهشنا، أضحكنا، أبكانا، جعلنا نعيد حساباتنا في امر ما! أو دفعنا لتجربة شيء لم نعرفه من قبل!!. إن مضامين الحملات الإعلانية لمعظم الشركات تأتي كردة فعل لما يقوم به المجتمع من تغيرات، ومثال ذلك أن الوكالات الإعلانية تقول: هذه الموضة دارجة، إذن فلنصورها في إعلاناتنا، وهذا الشاب لامع إذن فلنظهره في حملاتنا.. إلخ، إن الشركات دائما تابعة، وتنسى أن دور الإعلان كصناعة يجب أن يكون قياديا، يأخذ بزمام المبادرة ويبتكر هو الموضات والتوجهات الجديدة، التي تتحكم في قناعات المجتمع وتغير عاداته.