يمر بنا أشخاص لديهم مجهودات عظيمة سواء حركية أو فكرية أو مهنية بشكلٍ أو بآخر، ولكن هل يستثمرون الوقت بإيجابية ويحررون أفكارهم من خرافة الزمن كي يتعايشوا مع الواقع بطموح كبير، أم يتبدد كل هذا الحراك سدى؟!! كلما أدركنا قيمة السؤال عبر منظومة حياتنا سنكون أمام رهانات لو كشفنا خسارتها مبكرا يجب أن نعاود السؤال، ونتجه إلى منطقة أخرى أكثر إشراقا، وبعيدا عن الخسارات المتكررة، لأننا لا نفترض العتمة في دروبنا مهما كانت مغامرة البداية علينا أن نتوخى الزلل، و ألا نكابر في المجهول. يقول هنري ديفيد فرانكلين «لا تستطيع قتل الوقت دون أن تصيب الأبدية بجراح» هنالك عدة مبررات لهتك الزمن أهمها أننا لا نتعلم الحكمة و لا ندرك أننا في مأزق وجودي إلا متأخرين، و لذا يجب أن نتداول بعض النظريات الحديثة في تطوير الوقت وإعادة بناء المفاهيم النظرية التي تدور في أذهاننا ونجعلها ضمن القيم المتوارثة كي نضمن حياة أفضل، فالوقت هو أكثر ما نحتاج، وأسوأ ما نستخدم والناس العاديون يفكرون دائما في كيفية قضاء وقتهم، لكن العظماء يفكرون كيف يستثمرونه. نحن في جدلية حرجة مع الزمن، و عندما نتوقف مثلا عند نظرية (تنظيم الوقت) لستيفن كوفي أو ما تسمى مربعات ستيفن الذي وضعها في كتابه (العادات السبع للناس الأكثر فاعلية) وهي باختصار تقيس حساسية الوقت وكيفية استثماره واستئثاره بحياتنا، والمربع الأول هو (مهم مستعجل) مثال على ذلك لو فرضنا أن لديك اختبارا غدا فهو أمر مهم، لأنه يعتمد على نتائج ومستعجل لأنه غدا، لذلك كل دقيقة تكسبها تشكل لك قيمة إضافية على مستوى التحصيل والنتيجة، والمربع الثاني عكس الأول (غير مهم غير مستعجل) والمربع الثالث (غير المهم لكنه مستعجل) والمربع الرابع ( مهم غير مستعجل) ويعتبر مربع الناجحين لأنهم يخططون مسبقا، ويراهنون على السبق وتجاوز كافة العقبات منذ البداية، بدلا من الاستدراك وقلق الزمن الذي يعصف بالروح في اللحظات الأخيرة. ربما نستفيد من النظرية في جانبها النفسي وأنها تجعلنا مرآة لذواتنا عندما نتحقق من كل شيء قبل فعله مع مراعاة جوانب الوقت وعدم هدر الزمن. طلب أحدهم من ألبرت أينشتاين أن يوضح الفرق بين الزمن الحقيقي والزمن النفسي؛ فأجاب قائلا: عندما تكون برفقة فتاة جميلة؛ تشعر أن الساعة مضت وكأنها ثانية؛ أما عندما تجلس فوق جمرة متوقدة؛ تمضي الثانية وكأنها ساعة؛ إن الفرق نسبي. ونحن لا ننشغل بالنسبيات أو الفرضيات التي وضعها أينشتاين في نظريته ولكننا دوما مشغولين بالواقع، وهو ما يجعلنا نضع تخيلات الزمن لدى بعض العلماء مجرد أوهام أو خرافات أو خيال علمي قد يصح ولكن عبر أزمنة قادمة، ونحن لا نتشدق بلا نفهم، ولكن أية نظرية تقترب من الواقع وتبرر كل الاحتمالات الراهنة يمكن استقبالها بشكل دافئ وحميم ولكننا بالتأكيد لن نستوعب علميا فرضية لو التوأمين أحدهما سافر بمركبة فضائية لنصف قرنٍ والآخر بقي في الأرض عندما يعود الطفل الفضائي سيكون ما زال طفلا، وأما الطفل الذي بقي في الأرض فقد ضرب الشيب أطنابه وخارت قواه، وهنا تفسير قد يكون عمليا لمسألة العلاقة بين المسافة والزمن ولكنها لا تزال غامضة وبعيدة عن التطبيقات اليومية أو الروتينية. لو نظرنا إلى الساعة البيولوجية فقد اعتقد العلماء لعقود طويلة أن الدماغ يمتلك ساعة داخلية تسمح له بتعقب الزمن فقد أجريت دراسة بجامعة كاليفورنيا تخلص قيمة البحث في فهم كيفية عمل الدماغ، فالكثير من عمليات الدماغ المعقدة من فهم الكلام إلى ممارسة لعبة الإمساك إلى الأداء الموسيقي تعتمد على قدرة الدماغ على تحديد الزمن بدقة بيد أنه لا أحد يعرف كيفية عمل الدماغ، كذلك إن أكثر النظريات الشعبية تفترض آلية مشابهة لعمل الساعة التي تولد وتحسب حركات ثابتة ومنتظمة توفر أساس التوقيت للدماغ. نحن إذا أمام وعي مسبق أو فرضيات محسوبة وقابلة لتغيير المفهوم السائد من أننا كائنات فوضاوية أو تعمل بمحض الصدفة، العلم بالشيء هو كل شيء، وإذا أردت أن تستخدم وقتك بصورة جيدة، أنظر إلى أهم ما عندك وأعطه كل ما تملك. من هنا نعي أهمية إدارة العقل ونتحسس بجدية مفرطة أننا نقتل الزمن بسكينٍ حادة هي الجهل بالقيم، و لذلك نحن مسؤولون عن المجهود الضائع الذي نبذله بعشوائية، ونلوم الحضارات المتقدمة عندما نرضخ في ذيل عبوديتها، إننا نبصر كل شيء أمامنا، فلماذا لا نستمتع ونجعل كل لفتاتنا مؤتلقة ومندهشة للإبداعات الكونية من حولنا، فالإبداع الحقيقي هو قيمة ما نعمله، وليس ما نبصره فحسب. * شاعر وكاتب سعودي [email protected]