يعدُ التحرر من الفقر والجوع حقا أساسيا من حقوق الإنسان. كما أن التحرر من الفقر يساعد على توطيد التماسك والتجانس الاجتماعي ويعزز من الاستقرار السياسي. بل إن الفقر الذي تعاني منه معظم دول العالم باختلاف مستوياته يعد أكثر من مجرد نقص في الدخل، حيث أصبح يمثل سلسلة متصلة من حلقات الحرمان، التي تشمل سوء الحالة الصحية وتدني مستوى التعليم والافتقار إلى الخدمات الأساسية وإعاقة فرص مشاركة المواطنين في العمليات التي تؤثر على حياتهم. ومنذ أن اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إعلان الألفية، أصبح هدف تخفيف حدة الفقر الحضري من بين أهداف الألفية الأكثر طموحاً، والذي ينص على تخفيف نسبة السكان الذين تقل مداخليهم عن دولار واحد في اليوم إلى النصف خلال الفترة 1990 2015م. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في بعض الدول في عدة مجالات ومنها تخفيف الفقر، إلا أن إحصاءات البنك الدولي التي صدرت في بداية عام 2011م تشير إلى أن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود قد دفع أكثر من 64 مليون شخص إضافي إلى خط الفقر المدقع خلال عام 2010م. كما تشير إحصاءات منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة إلى أن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من نقص في التغذية أي نحو سدس سكان العالم، وفي العالم العربي يوجد نحو 40 مليون شخص يعانون من نقص في التغذية، أي ما يعادل 13 % من السكان تقريباً. هذا بالإضافة إلى نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر ومعظمهم يقيمون في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة. كما تشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف سكان الدول الأقل نمواً في المنطقة العربية يعيشون في حالة فقر صعبة. إن ما تشهده بعض دول المنطقة العربية من توترات سياسية واقتصادية هذه الأيام يعود إلى أسباب من بينها الفقر والبطالة والفساد والمحسوبية... إلخ. إن عدم الاستقرار في بعض دول المنطقة يعود إلى عدم قدرة الفئات الشابة والتي تشكل نسبة كبيرة من سكان العالم العربي من دخول سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة بينهم إلى مستويات عالية والتي وصلت في بعض الدول إلى أكثر من 30 %. فالدول العربية تعتبر من أعلى المناطق في العالم في معدل بطالة الشباب والذي هو مصدر أساس من مصادر الفقر. واستشعاراً من المعهد العربي لإنماء المدن بتنامي معدلات الفقر في العديد من المدن العربية نتيجة للتنمية غير المتوازنة والهجرة المتزايدة نحو المدن وغير ذلك من الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الغذائية أولت برامج المعهد ومشروعاته اهتماماً خاصاً بقضية الفقر، حيث نفذ المعهد عدداً من المشروعات والبرامج لتخفيف حدة الفقر الحضري، أولها المشروع الذي نفذ في كل من الخرطوم ومراكش وحلب وطرابلس (لبنان) بدعم من برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) وذلك من خلال الأنشطة الآتية: إجراء مسوحات وبحوث للتعرف على واقع الفقر في تلك المدن باستخدام منهجية المسح السريع بالمشاركة. إعداد قواعد بيانات ومعلومات عن الفقر الحضري ومستوياته واتجاهاته وبرامجه ومشروعاته. تقييم البرامج والمشروعات التي تقوم بها الإدارات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية والقطاع الخاص لتخفيف حدة الفقر الحضري. بناء القدرات وتدريب العاملين في البلديات والإدارات المحلية ومنظمات المجتمع المدني على كيفية إعداد وتنفيذ ومتابعة برامج تخفيف حدة الفقر الحضري. مساعدة المدن والإدارات المحلية على إعداد وتنفيذ البرامج والمشروعات الخاصة بتخفيف حدة الفقر الحضري. وأشارت العديد من الأبحاث أن غياب التمويل هو أحد الأسباب المهملة لمعالجة الفقر. ومازالت معدلات التمويل في الدول العربية منخفضة جدا. فنجد على سبيل المثال أن نسبة القروض الممنوحة إلى القطاع الخاص في الدول العربية لا تصل حتى إلى ستين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، بينما هي في بعض الدول الاسكندنافية أكثر من مائتين في المائة. وفي إطار هذا الجهد المتواصل، ينظم هذه الأيام أجفند ندوة التمويل الأصغر والأعمال الاجتماعية، وبرعاية صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز، والتي سيشارك فيها البروفيسور محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام ومؤسس بنك غرامين والشريك الاستراتيجي لأجفند لتعميم بنوك الفقراء في العالم. وتعقد الندوة التي يتحدث فيها أيضاً نخبة من العلماء والداعمين لمشروعات الفقر، بالتعاون مع مجلس الغرف التجارية بالمملكة وتهدف تلك الندوة إلى التعريف بأهمية التمويل الأصغر والعمل على زيادة الوعي المرتبط بمفهوم الأعمال الاجتماعية. هذا هو جانب واحد من جوانب مكافحة الفقر من خلال التمويل، ولكننا نشعر بالغبطة والسرور عندما نرى أجفند يهتم بجوانب غير ملحوظة وهي على درجة كبيرة من الأهمية لتخفيف الفقر وتحسين حياة المجتمعات. ومن هذه الجوانب الطفولة المبكرة. ويكفي أن أشير إلى الاكتشافات العلمية الكبيرة التي ربطت بين الطفولة المبكرة وأداء الإنسان خلال مراحل حياته المختلفة ومنها الفقر والدخل وفرص العمل. وهو مجال لم يأخذ الاهتمام الكافي وبالشكل الجيد والجاد في الدول العربية حتى الآن. ويمكن الاستزادة في هذا الموضوع بالرجوع إلى كتابات جيمس هيكمان james Heckman الحاصل على جائزة نوبل للتعريف على التأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه الاهتمام بالطفولة المبكرة على حياة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية خلال كل مراحل حياته. ويعمل المعهد العربي لإنماء المدن حالياً مع أجفند إضافة إلى البنك الدولي والبنك الإسلامي ومنظمة الشباب الدولية وشبكة توظيف الشباب واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) وجهات أخرى في برامج عن الفقر وعن الأطفال والشباب وتحسين فرص الحياة لهم وتوظيفهم والتي نأمل أن تساهم في تخفيف مشاكل الفقر في الدول العربية.