سبحان الله أن خصائص المائة تريليون خلية التي تكون الجسم البشري تكاد أن تكون أغرب من الخيال. لو خرجت هذه الخلايا خارج أجسامنا، ووضعت في بيئة مناسبة، فستعيش لفترة محدودة بإرادة الله. وتحديدا فهناك قاعدة أساسية تم اكتشافها منذ حوالى ستين سنة تقول إن الخلايا لها حدود في عدد مرات التكاثر وهي حوالى خمسين مرة، وبعدها تموت وهي خارج الجسم. ولكن في عام 1951م أصيبت امرأة أمريكية من أصل أفريقي بمرض السرطان في الرحم. واشتد عليها فانتشر في جسدها، وبالرغم من العلاج القوى بالأشعة فقد توفيت «هنريتا لاكس» وهي في الثلاثين من عمرها. وهنا بدأت إحدى أغرب قصص العلوم لأن الأطباء في مستشفى «جونز هوبكنز» في شرق الولاياتالمتحدة احتفظوا ببعض من خلاياها المصابة بالسرطان.. كمية تعادل ليمونة صغيرة. وتكاثرت خلاياها في معمل أبحاث المستشفى بشكل عجيب. وبدأت «جونز هوبكنز» في نشر الخلايا وإرسالها لمعامل الأبحاث حول العالم. وأطلق عليها اسم HeLa «هيلا» على وزن «فشيلة»، وهو اختصار لاسم «هنريتا لاكس». وأصبحت هذه الخلايا السرطانية هي الأشهر في عالم أبحاث الأحياء الدقيقة والسرطان، والعلوم الوراثية، فقد عمرت لفترة عشرات السنين وتكاثرت بمشيئة الله لآلاف المرات بنشاط عجيب، بل وتم إرسالها للفضاء أكثر من مرة لتجربة تأثير انعدام الجاذبية على علاج السرطان. وأما على الأرض فقد تم خلطها، وعجنها، وطحنها، وخلطها، وضربها بمواد مشعة في آلاف المعامل حول العالم لفترة امتدت إلى أكثر من سبعين سنة مما جعلها الأطول عمرا خارج الجسم البشري بمشيئة الله عز وجل. وجاء أحد أقوى التعليلات لطول عمر هذه الخلايا السرطانية العجيبة النابعة من الأمريكية السوداء في منتصف السبعينات الميلادية. فقد اكتشف العالمان الأمريكيان «إليزالبيث بلاكبيرن» و «جوزيف جول» أن موضوع تعمير الخلايا مرتبط بوجود شريط بروتيني في أطراف الخلايا العادية واسمه Telomere «تليو مير» على وزن «تعمير». كلما تآكل هذا الشريط الذي لا تراه العين المجردة، زاد احتمال نهاية عمر الخلية بإرادة الله. الشاهد أن خلايا «هي لا» كانت تحتوى على مادة حافظت على طول الشريط ضمن خصائص أخرى، ولذا فترعرعت في المعامل بالرغم من كونها سرطانية. ويقولون إن عطاء هذه الأمريكية من خلال خلاياها هو من المعجزات. وهناك أكثر من 60 ألف ورقة علمية، وعشرات الآلاف من البحوث العلمية وبالذات في مجال مرض السرطان بسببها. ولكنني بصراحة وجدت ما هو أهم من كل هذا، فالعطاء بمشيئة الله نجده في أماكن أخرى. فخلال الأسبوع الماضي بكيت على أحد طلابي وهو المهندس المعماري عبد القادر بشراحيل الذي توفاه الله في جدة. وكان هذا الشاب رحمه الله من الذين يعتزون بالتصميم المعماري المتميز، وبكل صغيرة وكبيرة في خدمة الناس. وتذكرت أن طلبتي هم مصدر اعتزازي بالتعليم، وأن عطاءهم غير المباشر هو أحد مصادر بهجتي في العلم والتعليم. أمنية لو تأملنا في موضوع العطاءات العديدة التي ننعم بها سنجد أنها أمامنا في كل لحظة. تأمل في ما وفره وتوفره أمهاتنا وآباؤنا وستجد أنها من أساسيات التوفيق في الحياة. وأما العطاء الأكبر فهو فيما أنعم الله علينا به. أتمنى أن نتذكر هذه العطاءات اليوم وكل يوم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة