•• كافة الأمور تتشابه، وما من وضع ذي امتياز خاص، وفي غرف الدفن الحتمية يتساوى كل الناس.. عند الموت لا كبيرهم ولا صغيرهم.. ولا غنيهم ولا فقيرهم.. القبر لا يعرف امتيازا لأحد.. وكل حسب عمله.. قد يتسع القبر قليلا لمن أحسن عملا.. وقد يضيق لمن أساء في دنياه. •• وفي هذه الدنيا أيضا هناك العديد من الأمور المتشابهة والمتماثلة وبعضها مثل بعض. وكذلك يسود ويتنامى الفقر في المجتمعات المتخلفة.. وإن اختلفت النسب بين هذه وتلك. •• وغالبا ما يكون الفقر مرتبطا بالبطالة.. والبطالة مرتبطة ارتباطا مباشرا بسوء التخطيط.. وهذا الأخير يتصل مباشرة بذلك الجهل الفاضح لاحتياجات المجتمع ومطالبه وأولوياته.. وإذا كانت اللامبالاة وعدم الاهتمام والانصراف عن قضايا الناس ومتاعبهم هي أهم المشاكل التي تنخر في بنيان المجتمع وتماسكه وارتباطه بثوابته وهي بالتالي التي تدخل الحكومات في مآزق حرجة مع مجتمعاتها وشعوبها.. وتخرج الناس إلى الطرقات محتجة وغاضبة من أجل سطوة الفقر والضنك في عيشها ومعاشها والمطالبة بجزء يسير من حقوقها. •• من أجل هذا قامت العديد من (ثورات الجياع) في هذا العالم بعضها تمت معالجتها والبعض الآخر تم سحقها.. وفي أحيان قليلة قد تنتصر الجموع على تلك السلطات القمعية.. حدث هذا في جنوب أمريكا.. وفي أفريقيا.. وفي بعض بلدان الشرق العربي والأقصى. •• والشعوب لا تثور إلا عندما تجوع. •• ذات زمن مضى سألت المفكر الجزائري مالك بن نبي في حديث صحافي.. أجريته معه قبل 35 عاما.. نشر في جريدة البلاد. لماذا الشعوب تثور؟ قال لي وهو مشفق علي: ولماذا أنت تسأل هذه الأسئلة الكبيرة يا بني.. ثم أطرق برأسه قليلا وأردف: الشعوب لا تثور إلا عندما تجوع.. وعندما تشتد وطأة الظلم تزداد رغبة الإنسان في الانعتاق من جور ما يعانيه من بطش واستبداد.. وهكذا نحن في الجزائر نقاوم استعمار الفرنسيين لكي نتحرر.. إن شعبنا يقاتل من أجل استقلاله لينعم بخيرات أرضه. قلت: ولكن الكثير من الناس يموتون. قال: هذا هو ثمن الحرية. ومضت الأيام واستقلت الجزائر.. وبعد سنوات من الاستقلال جاء مالك بن نبي للحج.. وقابلته في فندق قديم في جدة اسمه فندق قريش وهو ذو طراز أثري.. وسقوف عالية.. ونوافذ تقليدية تشبه رواشين بيوت حارة العيدروس والمظلوم والشام.. وقد اعتاد النزول فيه رافضا دعوة الحكومة في السكنى في أفخم الفنادق في جدة، وعندما رآني بادرني قائلا.. وهو يضحك: لقد انتصرت ثورة الجزائر لأنها ثورة المظلومين.. ثورة الجياع والمضطهدين. •• قلت: ولكن بعد أن قدمتم وقودا للحرية وثمنا لها مليون شهيد. قال: غرف الدفن واحدة يا بني، ومن الأجدى أن يموت المرء شهيداً من أجل الدفاع عن وطنه. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره. ورحل مالك بن نبي يرحمه الله.. وبقيت كلماته تمشي في الأرض بيننا.. «غرف الدفن واحدة يا بني». •• تذكرت كل هذا وأنا أشهد اليوم.. العشرات والمئات الذين يسقطون شهداء في فلسطين من أجل تحرير أرضهم. •• رأيت مالك بن نبي.. يصرخ في عيون الثكالى.. والمشردين.. واليتامى.. يصرخ على كل شفة وعلى كل لسان في القدس ورام الله وجنين. «غرف الدفن واحدة يا فلسطين!!..». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة