اتعبني القلق يا دكتور .. بهذه العبارة بدأ أحد المرضى شكواه قبل أن يصف لي معاناته مع مرض جلدي يعاني منه، وبصفتي طبيبا في الجلدية أشرت له إلى أن قلقه طبيعي وهو رد فعل لمعاناته المرضية وأن هذا القلق سيتلاشى مع استمرار العلاج. يحتل القلق النفسي المرتبة الأولى من حيث الانتشار، وقديما كان القلق يعزى إلى أسباب ديناميكية بحتة، إلا أنه في العشرين سنة الأخيرة ومع التطور العلمي الهائل لدراسة العوامل الحيوية المؤثرة تحولت الصورة للبحث عن أسباب حيوية واضحة. ولعل من المهم في بداية الأمر التعرف على الفرق بين القلق الطبيعي والقلق المرضي الذي يحتاج إلى طرق تشخيصة وعلاجية محدودة، وهنا بالطبع لابد للطبيب معرفة القلق النفسي المصاحب للأمراض الأخرى، سواء كان نفسيا كالاكتئاب مثلا أو الأمراض الأخرى كأمراض القلب والجهاز الهضمي والغدد وغير ذلك. وإذا نظرنا إلى القلق النفسي الطبيعي فإنه يعتبر مستحبا ومرغوبا فيه في المواقف المخيفة والخطرة، فعلى سبيل المثال عندما يبكي الطفل عند مغادرة أمه أو حلول مرض بشخص، فإن القلق الطبيعي فى هذه الحالات يمكن الطفل أو المريض من بذل الأساليب التي تجعله في مأمن، وكذلك فإن القلق الطبيعي في أيام الامتحانات مثلا أو في المواقف الجديدة يساعد على التركيز ويحفز الجهاز العصبي إلى حد يتلاءم مع الحدث، ولكن ذلك القلق إذا تجاوز الحد الطبيعي يصبح مرضا لابد من التدخل في معالجته. أما القلق المرضي فإنه بلا شك يؤثر على مجريات حياة المصاب به من الناحية الاجتماعية والعملية والنفسية، ولعلاج القلق لا بد من علاج المشكلة الأساسية، فإذا استمرت الأعراض فعندئذ يجب التدخل لعلاجها، كذلك يجب التدخل في العلاج إذا كانت الحالات العضوية لا يمكن علاجها بالكلية كالأمراض المزمنة مثلا، وذلك باستخدام الأدوية النفسية أو الجلسات النفسية المختلفة. ومن هنا لابد من القلق الطبيعي في حياة الإنسان وهو قلق مؤقت يزول بانتهاء العارض، أما القلق الذي يستوجب العلاج الدوائي فإنه مرضي وأن إهمال علاجه يؤدي إلى مضاعفات لا تحمد عقباها.