قد يكون من قبيل المبالغة إطلاق لفظ ثورة على المظاهرات غير المسبوقة التي تشهدها مدن الكيان الصهيوني منذ أسابيع على أساس أن هذه المظاهرات لم تدع إلى إسقاط النظام أو إلى تغيير طبيعة الدولة اليهودية. لكن من الملفت أن تستخدم الصحيفة الإسرائيلية الأعرق «هآرتز» لفظ ثورة لوصف المظاهرات في افتتاحية عدد يوم الاثنين الماضي. من الملفت أيضاً أن يحفل أرشيف الصحيفة منذ شهر فبراير بعدة مقالات تتحدث عن إمكانية حدوث هذه الثورة. على أية حال، هذه المظاهرات والتي بلغ عدد المشاركين فيها حوالى 400 ألف متظاهر تحمل أهمية كبيرة للعرب والفلسطينيين، ليس لأن أسلوب هذه المظاهرات السلمية مستلهم من وحي الربيع العربي وليس لأن مطالب المتظاهرين بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية تصب بشكل غير مباشر في مصلحة الفلسطينيين ولكن لأن هذه المظاهرات قد تكون أشبه بالأشعة المقطعية التي تسمح للشارع العربي بدراسة نقاط ضعف العدو. هذه المظاهرات تشير إلى وجود مشاكل جسيمة في جسد الكيان الصهيوني. إذ يربط المفكر الأمريكي الإسرائيلي بيرنارد أفيشاي في مقالته بهآرتز تردي الاقتصاد والأحوال الاجتماعية في إسرائيل بفشل عملية السلام والإصرار على بناء المستوطنات وارتفاع ميزانية الجيش. ويتحدث عن سلسلة مشاكل في التعليم والتفاوت الطبقي والهجرة العكسية. غير أن ثمة مشكلة أكبر تطفو على السطح و هي الاستقطاب الحاد في المجتمع الإسرائيلي والتي تجسدها الأصوات اليمينية التي تخون المظاهرات وتطالب بإنهائها. على أن مظاهر الاحتجاج والاختلاف هذه تظل ضمن نطاق الديمقراطية وحرية التعبير وبالتالي لن تؤدي إلى سقوط الدولة العبرية. لكن مثلما كانت انتفاضة الشعوب العربية إلهاماً للإسرائيليين، فإن نجاح الربيع العربي على المدى البعيد في بناء دول قوية وديمقراطيات تحقق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي وتحترم حقوق الإنسان مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي سينهي إيمان الإسرائيليين بتفوق نموذج دولتهم وسيقودهم إلى عزلة وهزيمة حضارية وعندها سيكون انتصار العرب مسألة وقت.