تتورط عندما تكون أعمى فتتوشح (معطفا) لا يتناسب مع جسدك، بالتأكيد ستصاب بالترنح فتسقط مغشيا عليك، وعلى رأي الشاعر الإنجليزي الضرير ملتون : «ليست التعاسة في أن تكون ضريرا، بل في ألا تستطيع أن تحتمل ذلك»، وهذا شاعرنا العباسي فاقد البصر بشار يعطينا درسا مجانيا في الحكمة والنضوج الفكري، فالصورة في شعره كثيرا ما كانت غاية في الروعة والجمال: أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم ُ قد ضل من كانت العميان تهديه لكن الورطة الكبرى عندما تكون مبصرا غير أنك فاقد البصيرة هنا يرتفع سقف احتمالات الجناية على نفسك وعلى من حولك وبما أن حديثا عن التراث فالجناية فيه لها بعد آخر. قبل سنوات طويلة كان النشر الإعلامي للموروث الجنوبي محصورا في الصحف الورقية وسامح الله علي الدويحي مؤسس صفحات العرضة وشعرائها، كنت أقول له: ستتسبب في عولمة العرضة فكان يكتفي بالإشارة بأصبعه (لا) فرأيه أن عرضتنا أقليمية ولن تزيد على ذلك، رغم أن الشعراء عبدالواحد بن سعود ومحمد حوقان وإبراهيم الشيخي ورمضان المنتشري أحدثوا فيها نقلة لسقف أعلى استنادا لثقافة هؤلاء الشعراء، لكن هل مازال الدويحي عند رأيه بعد أن تعولمت العرضة بفعل فضائي وبسبب منه؟ بيد أنني أريد أن أسأله ماذا لو اتصل به صديق من إحدى دول شمال إفريقيا، أو آخر من الخليج العربي مهنئا: قنواتكم التي تقدم موروثكم تفوقت على زميلاتها (الجزيرة والعربية) في التعاطي الإعلامي مع الحدث سياسيا وفاقت قناة (الحقيقة للهاشمي) في فك السحر والشعوذة وعلاج العين، وترى ما هو رد شعراء العرضة لو اتصل عليهم صديق من بيروت وتل الزعتر بنبرة الشكر قائلا: قنواتكم أراحتنا من القناة السودانية المبتزة التي تشترط علينا لكي تجمع (رأسين بالحلال) إرسال مئة وخمسين رسالة قيمة الرسالة دولار، فشكرا أننا وجدنا قناة مجانية فأنتم تجمعون (رأسين بالحلال) مجانا، وفي الوقت ذاته تطربوننا بأجمل قصائدكم وتدقون الزير ليكتمل الفرح، فأين نجد مثلكم والكلام للأصدقاء المتصلين. والزين أكمله الدكتور عبدالباسط السيد بعلاجه لأمراض الذكورة وتكبير بعض المناطق الحساسة (وهذه العبارة موجودة بشات إحدى قنواتنا العرضوية)، والضعف الجنسي فشكرا يا شعراءنا من غامد وزهران وبني مالك وعسير المحترمين لأنكم من خلال وجودكم رمينا عشرين عصفورا برشة سوجن. يعني أبسط يا عم مع عبدالباسط وكن (سعيد) وسل سيفك وارقص رقصة الحرب مع عمالقة الشعر الجنوبي. فضائياتنا نحن الجنوبيين هي الأنموذج والأجمل والأروع فبدلا من أن تبحث عن قناة لحل مشاكل الذكورة والضعف الجنسي، وتضطر لمتابعة أخرى (تجمع رأسين بالحلال) وثالثة تدك دهاليز السياسة دكا ورابعة تعالج السحر والعين فيضيع وقتك اختصر كل ذلك وشاهد أربعا في واحدة إنها البلسم الذي طالما انتظرناه ولا عزاء لبشار بني العباس وملتون لندن.