من المحزن أن نمو الاستنذال حول العالم يشهد صحوة مزعجة. من عدم الالتزام بالوعود، واللامبالاة، والتخلي عن القيم، إلى الغدر العلني، كل هذا وأكثر أصبح من الممارسات العادية جدا. ومهما كانت درجات تفاؤلنا أن الأمور ستسير إلى الأفضل، فللأسف أن ذلك لن يغير وتيرة نمو النذالة حول العالم. وإحدى أبسط الأسباب أن مردود هذه الممارسات الشنيعة عال جدا ولذا، فالغالب أنها لن تهدأ ولن تكل. كتبت مسبقا عن ممارسة البطريق للنذالة بطرق أغرب من الخيال. هذا الكائن اللطيف «الحبوب»... الطائر الذي لا يطير ولكنه يسبح بمهارة ويضرب به المثل في أبوته الحنونة وحرصه على أبنائه. يتجمع مع رفاقه على جزر الجليد في القطب الجنوبي ويسبح من جزيرة إلى الأخرى، ولكن الحيتان عادة تنتظرهم في الأعماق لتنقض عليهم عند نزولهم إلى الماء. ولذا، فقبل أن تغامر مجموعات البطاريق بالقفز في البحر، يعمدون إلى التزاحم، ويدفع كل منهم الآخر إلى حافة الجزيرة الثلجية. والهدف هنا أن يدفعوا بأحدهم إلى الماء فجأة ليتأكدوا من عدم وجود الحيتان الجائعة في الأعماق. فلو اختفى رفيقهم الذي دفعوه في الماء، فمعناها أن «الحيتان تحتنا»، وأما إذا ظهر على السطح في قطعة واحدة، فمعناها أن الوضع آمن، فيبدؤون بالقفز إلى الماء والسباحة إلى الجزيرة الجليدية المجاورة. وهناك ملايين الممارسات الشبيهة بهذه النذالة البطريقية يوميا، وأجمل وصف لها في عالم الإنسان بدأ أثناء فترة الحرب العالمية الثانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث دأب عالم الرياضيات «فون نيومانط بوضع قواعد ذكية جدا لما أسماه «نظرية الألعاب» Game Theory. وتناول هذا الموضوع استقراء ردود فعل أطراف تعاملات تتصف بربح جانب على حساب خسارة الآخر. فلا تعاون ولا «وجع رأس». وكانت هذه نظريات جديدة وإبداعية حيث جمعت بين عبقرية الرياضيات، وعمق علم النفس، ومنطقية الاقتصاد، ودهاء السياسة. وفي هذه الفترة نمت الترسانة النووية في العالم من قنبلتين عام 1945 إلى حوالى (6) عام 1946 إلى حوالى 700 عام 1950. جدير بالذكر أن الاتحاد السوفييتي دخل النادي النووي عام 1949، وبدأت الحرب الباردة بينه والولاياتالمتحدة، وظهرت مخاطر الحرب المحتملة الجديدة. وسطع نجم «نظرية الألعاب» تحت مسميات إستراتيجية جديدة. ولابد الإشارة هنا إلى أن أحد أبطال هذا العلم المتميز كان عالم الرياضيات العبقري «جون ناش» الذي فتح أبوابا جديدة في التعاملات في خضم هذه النظريات. وتبلورت في العديد من الأشكال والألوان وكان أشهرها ما يسمى «أزمة السجين» Prisoner's Dilemma وملخصها حالة تمثل قمة النذالة في حالة استجواب وهمية لمتهمين بالسرقة يتم استجوابهما من قبل المدعي العام. وبالمناسبة فقد فاز «ناش» بجائزة نوبل في الاقتصاد على تلك الأعمال في عام 1994 أي بعد 44 سنة من تطويره لتلك النظريات. أمنية هناك ما هو أهم من كل هذا، وهو الظاهرة الجديدة التي نشهدها بكل أسف وحزن في بعض الدول العربية الشقيقة والتي يقتل فيها مدنيون من قبل سلطات البلد. ولو بدأنا بوضع الأساس أن العقد الأساس بين الحكومة والشعب هي الخدمة، فسنجد أن مبدأ الاستنذال ينعكس في أقوى أدواره عندما يتم قتل الأبرياء من أجل التمسك بالحكم. أتمنى أن يتذكر الذين يمارسون هذه الممارسات الشنيعة أن هناك ميثاقا إنسانيا يحكم العلاقة بين الحكومة والشعب، وأن عزوتهم الأساسية هي شعوبهم، وأن التعرض لأرواحهم وكرامتهم وممتلكاتهم هي التجسيد الجديد للاستنذال. ندعو أن يأخذ الله عز وجل بيد الأبرياء في كل مكان. للتواصل أرسل رسالة SMSإلى 88548 الأتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة