اتفاق دفاعي وشراكة واستثمارات سعودية أمريكية في كافة المجالات    منتخب السعودية يُكرم سالم الدوسري    العراق تتفوق على الإمارات ويتأهل إلى الملحق العالمي ل كأس العالم 2026    فرع "البيئة" بالأحساء ينفّذ مبادرة "الأحساء تزرع" بمشاركة 300 طالب    أمانة الشرقية توقّع مذكرة تفاهم لتطوير إدارة مخلفات البناء رقمياً وتعزيز الأتمتة والرصد الآلي    أسبوع ريادي بجامعة الأمير مقرن    الأستاذ أحمد السبعي يقدّم درسًا عمليًا لطلاب الصف الخامس حول الطريقة الصحيحة لأداء الصلاة    أمين الطائف يوقع عقد خصخصة رقابة الحفريات ضمن فعاليات معرض سيتي سكيب العالمي    مُحافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء بمنطقة مكة المكرمة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي والدبلومات الصحية    ريمار العقارية تكشف عن هويتها الجديدة وتستعرض أحدث مشاريعها خلال مشاركتها في "سيتي سكيب الرياض 2025"    ولي العهد يصل إلى البيت الأبيض والرئيس الأميركي في مقدمة مستقبليه    جمعية روماتيزم تحصل على الموافقة الأولية للعمل خارج المملكة من مركز الملك سلمان للإغاثة    ترمب يستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض    + 500 مليار دولار التجارة البينية بين السعودية وأمريكا آخر 10 أعوام    المنتخب السعودي للتايكوندو يحصد الذهب في بطولة قطر الدولية    مجلس الوزراء: زيارة ولي العهد لأمريكا تأتي لتعزيز العلاقات والشراكة الاستراتيجية    نائب أمير القصيم يطّلع على أبرز الجهود الميدانية والتوعوية لهيئة الأمر بالمعروف في موسم الحج العام الماضي    استخراج حصوة بحجم كرة التنس من مقيم يمني بمستشفى جازان العام    أمير تبوك يستقبل سفير جمهورية بولندا لدى المملكة    التحكيم التجاري خيار استراتيجي لتخفيف العبء على المحاكم الخليجية    صندوق الاستثمارات يعلن ضخ 200 ألف وحدة سكنية و90 ألف غرفة فندقية    يوسف المناعي مع العلا.. تحدٍ جديد ل "مهندس الصعود"    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة عسير تقبض على شخصين لترويجهما (7) كيلو جرامات من نبات القات المخدر    القيادة تهنئ رئيس جمهورية لاتفيا بذكرى استقلال بلاده    بنك الخليج الدولي السعودية شريك استراتيجي للبطولة السعودية الدولية للجولف 2025م    مفردات من قلب الجنوب    جامعة الملك سعود تنظم فعالية اليوم العالمي للطلبة الدوليين    مقتل فتاة بهجوم روسي في شرق أوكرانيا    دولة فلسطين ترحب بالقرار الأممي بشأن غزة    طالب بدعم الأبحاث العلمية.. الشورى يوافق على نظام براءات الاختراع    «الزائر الغامض» يقترب من الأرض    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    بعد خروجه من حسابات كونسيساو.. الاتحاد ينوي إعارة «سيميتش» في الشتوية    شيرين رضا تنضم إلى فريق «وننسى اللي كان»    إثراء يعيد رسم المشهد الإبداعي بالسعودية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    وصول الطائرة السعودية ال73 لإغاثة الشعب الفلسطيني    «التحالف الإسلامي» يطلق برنامجاً لمحاربة تمويل الإرهاب بالنيجر    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    استشراف آفاق مستقبل العالم في أهم القطاعات.. السعودية رائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي    الزهري الخلقي في أمريكا    التجار النجديون في البحرين    العيش بدهشة مرتين    بحيرة طمية    الجوال يتصدر مسببات حوادث المرور في الباحة    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    الضمير الأخلاقي أهم مهارات المعالج النفسي    السعودية تعيد كتابة فصول مواجهة السكري    ورحل صاحب صنائع المعروف    حياتنا صنيعة أفكارنا    أمير القصيم: محافظة عيون الجواء تشهد نموًا متسارعًا في كافة القطاعات    ماسك يتحدى أفضل الجراحين البشر    المرأة روح المجتمع ونبضه    «الإعلام» تودع «أيام الثقافة المصرية» بحضور كبير..    فيصل بن بندر يطَّلع على تقرير «غرفة الرياض».. ويعزي الشثري    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور القوانين والنصوص لمواجهة الوقائع والمستجدات
نشر في عكاظ يوم 21 - 04 - 2011

القانون في أي زمان ومكان لم ينشأ مصادفة، وإنما هو ناتج لظروف تاريخ المجتمع وسنن تطوره، وكذا هو ناتج عناصر وعوامل كثيرة: دينية، فلسفية، اقتصادية، وسياسية، وهي متشابكة ومتصلة الأطوار ودائبة التدرج، ولذا قال فيلسوف الثورة الفرنسية (مونتسيكو) في كتابه الأهم (روح القوانين) إن القانون يجب أن يكون ملائماً لحاجة الشعب الذي صنع من أجله.
ولأن النصوص القانونية متناهية، في حين أن الوقائع التي وضعت هذه النصوص لمواجهتها وتنظيمها غير متناهية، لذا كان من الحتمي أن تتطور القوانين والنصوص لملاءمة تطور وجدة الوقائع والحوادث في المجتمع، وقد أخذت الشعوب في سبيل تعديلها وتطويرها لنظمها القانونية بعدة وسائل اختلفت باختلاف القوانين نفسها وباختلاف ظروف هذه الشعوب، فالظروف المختلفة لكل مجتمع أدت إلى اختلاف الدور الذي يضطلع به كل مصدر من مصادر القانون:
فدور الفقه كمصدر من مصادر القانون والتشريع في كل من القانون الروماني والشريعة الإسلامية كان له الصدارة عن غيرهما من الشرائع والمجتمعات الأخرى مثل المجتمع الإنجليزي الذي كان للأعراف الدور الأهم في نظمه القانونية.
كما أن شكل النص والقاعدة القانونية كان لهما أثرهما في تطور القوانين، فالقواعد القانونية لدى بعض الشعوب قد تم تدوينها، مثل مدونة الألواح الأثنى عشر في المجتمع الروماني، ومدونة حمورابي في بلاد الرافدين، مما كان يمثل عبئاً على الفقه والقضاء في سبيل مهمة تطوير هذه القوانين، وذلك بخلاف الشعوب التي لم تكن القوانين فيها مدونة، وإنما كانت القوانين فيها عبارة عن طائفة من التقاليد والأعراف والممارسات الراسخة المطردة، فهذه كانت مهمة تطوير نظمها القانونية أسهل من المجتمعات التي دونت قوانينها، وهي وسيلة النصوص التشريعية التي تصدرها الدولة ممثلة في سلطاتها التشريعية.
وتختلف نظرية الافتراض القانوني التي هي موضوع مقالنا عن غيرها من الأفكار والنظريات الأخرى كوسيلة من وسائل تطوير القوانين، اختلافاً جوهره أنها تعمد إلى تعديل القواعد القانونية مع الحفاظ على ظاهر النصوص وعدم المساس بها، في حين أن وسيلة أخرى، كالتشريع بواسطة السلطة التشريعية تعدل القاعدة القانونية تعديلا صريحاً قد يصل إلى حد إلغائها وإحلال غيرها بدلا منها.
ولنظرية الافتراض القانوني أهمية خاصة في الشأن القانوني عامة، لا باعتبارها من أهم الوسائل العقلية التي لجأ إليها أهل القانون في سبيل تطبيق نصوصه المتناهية على الوقائع غير المتناهية في المجتمعات القديمة، بل باعتبارها لا تزال ملجأ للمشرع في العصور الحديثة في كثير من التطبيقات القانونية.
فالافتراض القانوني هو وسيلة عقلية لتطوير القانون تقوم على أساس افتراض أمر مخالف للواقع وللحقيقة يترتب عليه تغيير حكم القانون دون تغيير نصه، والمقصود بالحقيقة التي يخالفها الافتراض القانوني؛ فهناك رأي في الفقه يرى أنه مخالفة الافتراض للحقيقة الطبيعية، وآخر يرى أنه مخالفة الافتراض للحقيقة القانونية، وثالث يخلط بينهما.
والحقيقة الطبيعية التي يخالفها الافتراض القانوني بحسب الرأي الأول هي إما تاريخية مثل افتراض أن الأسير الروماني قد مات قبل وقوعه في الأسر، وذلك حتى تظل وصيته وتصرفاته نافذة وصحيحة تجاه أسرته والآخرين، وحتى يمكن نقل تركته إلى ورثته؛ لأن وقوعه في الأسر يعني الاسترقاق وبالتالي تنعدم شخصيته ويصبح شيئاً من الأشياء.
وإما أن تكون هذه الحقيقة الطبيعية التي يخالفها الافتراض القانوني هي حقيقة علمية، مثل افتراض بقاء حياة المورث في القانون الروماني إلى حين أن يفصح ورثته عن قبولهم لتركته، حتى لا تكون هناك مدة تعتبر فيها هذه التركة شاغرة بلا مالك لها، وإما أن تكون حقيقة فلسفية، مثل مبدأ السببية أو مبدأ عدم التناقض أو مبدأ الذاتية، وذلك مثل فكرة الأثر الرجعي للشروط والتصرفات، تلك الفكرة التي تعتبر مخالفة لمبدأ السببية، الذي يقضي بأن الشيء لا يوجد قبل سببه، ومؤدى ذلك أن السبب أي الشرط لا أثر له إلا من وقت تحققه، ومخالفة أيضا لمبدأ عدم التناقض؛ لأن التصرف لا يكون بسيطاً أي ناجزاً ومعلقاً على شرط في الوقت نفسه.
وأما الحقيقة القانونية التي يخالفها الافتراض القانوني بحسب الرأي الثاني فيتخذ لها مثالا من فكرة الأثر الرجعي لقسمة المال الشائع، حيث يعتبر المقتسم مالكا لحصته دون سواها قبل القسمة ومنذ وقت تملكه على الشيوع؛ ففي هذه الحالة يقوم الافتراض القانوني على مخالفة للحقيقة القانونية، إذ إن القول بهذا الأثر الرجعي للقسمة ينفي حقيقة وجود حالة الشيوع قبل واقعة القسمة، كما أنه ينفي واقعة القسمة ذاتها ويجعلها مجرد لغو.
ويتمايز الافتراض القانوني عن بعض الأفكار التي قد تتشابه معه مثل الغش نحو القانون الذي هو وسائل يتبعها الأفراد حتى يمكن تطبيق القانون عليهم في حين لا يكون هذا التطبيق جائزاً، أو ليمكن استبعاد تطبيقه في حين يكون هذا التطبيق واجباً، فرغم اتفاقهما في مخالفة الحقيقة، إلا أن سبب هذه المخالفة والقصد منها مختلف، حيث إن المخالف في الافتراض القانوني هو واضع القاعدة القانونية نفسه أو من يفسرها بغية تطبيق القاعدة القانونية، في حين أن من يقوم بالغش نحو القانون يهدف إلى عدم تطبيق القانون على وجهه الصحيح أمراً أو نهياً.
وكذا يتمايز الافتراض القانوني عن فكرة القرائن القانونية، ويكمن هذا التمايز في أن الافتراض القانوني هو مخالفة دائمة وقطعية للحقيقة، في حين أن القرينة تقوم على الاحتمال الراجح لموافقتها الحقيقية.
وكذا فإنه يتمايز عن التدليس الذي هو إيقاع الغير في الخطأ بصدد إبرام تعاقد أو تصرف.
وقد أثرت نظرية الافتراض القانوني في تطور الشرائع القديمة مثل القانون الروماني والقانون الأنجلوسكسوني، وكذا الفقه الإسلامي منذ بدايات عصر تدوين المذاهب الفقهية، إلا أن نظرية الافتراض القانوني قد تقلص دورها حتى كادت تصير غير ذات غناء إلا من جهة الدرس التاريخي لتطور القوانين، ذلك أن الدوافع التي أدت إلى ظهور الافتراض القانوني كوسيلة لتطوير القانون لم يعد لها وجود في العصور الحديثة، حيث صارت التشريعات مرنة بالدرجة التي يمكن استبدالها بالكلية، على عكس ما كان قديما مما يشبه قدسية النصوص في ظل التطور البطيء للمجتمعات.
* القاضي في المحكمة الإدارية في جدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.