لايكاد يذكر اسم منطقة القصيم دون أن تتبادر إلى الذهن مباشرة التمور الفاخرة ذات النوعيات الممتازة، التي تنتجها مزارع القصيم بكثرة والتي يطلبها الكثير من السعوديين في كل مناطق المملكة، وكذلك مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي. تمور القصيم رغم ماتحمله من جودة عالية وطلب تجاري مرتفع، إلا أن أساليب تصنيعها وتسويقها بدأت، لكنها تحتاج إلى كثير من إعادة النظر وتغيير الخطط، وصولا للهدف الأهم الذي ينشده المجتمع السعودي والمتمثل في أن تكون التمور مصدر دخل قوي كبير، وذلك استنادا إلى عدة معطيات اقتصادية وتسويقية ومالية تملكها المملكة، ترشحها لتبوؤ هذه المكانة العالية في مجال التمور. يعتبر إنتاج التمور أحد الأنشطة الزراعية المهمة، في العالم الذي ينتج ما يقدر بين 5 إلى 6 ملايين طن من التمور سنويا. وبلغت المساحة المزروعة بالنخيل في المملكة 156 ألف هكتار والإنتاح من التمور 983 ألف طن، ونسبة الاكتفاء الذاتي 105 في المائة، وتشكل بذلك 14.5 في المائة من إجمالي مساحة المحاصيل الزراعية السعودية و19 في المائة من الناتج المحلي الزراعي السعودي. وعلي الرغم مما يحظي به قطاع إنتاج التمور في المملكة من دعم حكومي كبير، يتمثل في تقديم القروض الميسرة، وإعانة لشراء فسائل النخيل الجيدة، وإعانات الإنتاج، إضافة إلى الخدمات الإرشادية والوقائية والبحثية، وغيرها من الخدمات التي تقدم بالمجان، إلا أن هذا القطاع، ومن واقع الدراسات الاقتصادية المتخصصة، يعاني من مشكلات كبيرة في مجالي التسويق والتصنيع على المستويين المحلي والخارجي. وتذكر ذات الدراسات أن التمور السعودية المصدرة لاتتجاوز 28 ألف طن، من أصل 6.523مليون طن حجم تجارة التمور المصدرة عالميا، تشكل نسبة لا تزيد عن 5 في المائة من إجمالي التمور المنتجة. وتتجه 90 في المائة من التمور السعودية المصدرة إلى الأسواق العربية. وفي الوقت الذي صنفت فيه المملكة بأنها ثالث أكبر منتج للتمور في العالم، تشير دراسات متخصصة إلى أن المملكة مرشحة خلال العشر سنوات المقبلة لتكون الدولة الأولى في إنتاج التمور عالميا. لماذا القصيم؟ ذكر مراقبون مختصون بتجارة التمور أن منطقة القصيم مرشحة لكي تكون هي مركز الثقل العالمي في إنتاج وتسويق التمور حول العالم، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها: وفرة الإنتاج، وانتشار الثقافة الاستثمارية الزراعية في المنطقة، والحراك التسويقي الكبير الذي تتمتع به منطقة القصيم. وطبقا لإحصاءات وزارة الزراعة، فإن منطقة القصيم تنتج ثلث إنتاج المملكة من التمور بمختلف أنواعها وخاصة الفاخرة. كما تمتلك تمور منطقة القصيم ميزة نسبية عالية، وهي أن التمر من نوع السكري الذي تنتجه القصيم هو أفضل أنواع التمور في العالم، وفق تقارير علمية صادرة من كلية علوم الأغذية في جامعة الملك سعود في الرياض. المرحلة التسويقية كان العام 2001 م مرحلة تسويقية مهمة للتمور في القصيم، حيث نظمت ندوة كبري عن تسويق التمور في القصيم برعاية ولي العهد، لتخلص الندوة إلى عدة توصيات مهمة، أبرزها إحداث شركة تسويقية كبري للتمور، ليشهد العام 2005 م تطورا جديدا لتسويق التمور، يتمثل في ظهور مهرجانات تسويق التمور، التي تميزت بها المنطقة، ليصل عددها إلى ثمانية مهرجانات نجحت في استقطاب عشرات الآلاف من المتسوقين من المملكة وحول العالم. كما أوجدت المهرجانات حراكا استثماريا كبيرا جعل القصيم تستعيد هويتها، كمنطقة منتجة للتمور الفاخرة، وصارت محط أنظار الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين في مجال التمور حول العالم. حجم السوق يصعب وضع رقم محدد لحجم سوق التمور في القصيم، بسبب تعدد أماكن البيع، وبسبب البيع أكثر من مرة لعدد من الصفقات. ويقدر مختصون مبيعات مهرجانات التمور بأكثر من رقم 540 مليون ريال الذي حققته أول صفقة، والرقم يتنامي في الصفقات المعادة. وفي كل الحالات الأرقام مغرية تماما للاستثمار في مجال التمور، في ظل تنامي الجوانب التسويقية العالية للتمور في منطقة القصيم. ويذكر أستاذ الاقتصاد السعودي الدكتور يوسف السليم، أن تركيز أبناء القصيم على التمور سيكسب المنطقة هوية خاصة جدا وتخصصا عاليا في مجالات التمور، مستدلا بالأقاليم والولايات في الاقتصادات العالمية الثرية، التي تتخصص في مجالات تسويقية وإنتاجية معينة وتبدع فيها وتكون مصدر دخل للأهالي، لاسيما والقصيم لديها مقومات مهمة كجودة التمور وخصوبة الأراضي والثقافة الزراعية والاستثمارية، وستنجح كثيرا كثيرا في هذا المجال. ويقترح السليم أن تتبني أمانة منطقة القصيم إحداث مدينة لصناعات التمور،التي تتميز بأنها صديقة للبيئة. وأضاف أن هذه المدينة ستشجع على الاستثمار في مجال صناعات التمور مناطق إنتاج التمور، ويذكر الخبير الزراعي محمد الأعرج أن المناطق الأكثر إنتاجا للتمور في المملكة هي كالتالي: القصيم، الرياض، محافظة الإحساء، منطقة المدينةالمنورة. وتعد منطقة القصيم الأبرز لعدة أسباب رئيسة وهي: - جودة التمور المنتجة فيها. - كثرة إنتاج التمور في المنطقة. - توفر السيولة المالية العالية لدي سكان المنطقة، ما يساعد على ظهور استثمارات كبيرة في مجال التمور. - الثقافة التسويقية للزراعة والتمور التي يملكها أهالي المنطقة. ويذكر الأعرج أن هناك عدة دراسات متخصصة زراعية وتسويقية تؤكد أن التمر من النوع السكري الذي ينتج في القصيم هو أكثر أنواع التمور جودة في العالم. ولعل الأبرز مهرجانات التمور التي انطلقت عام 2005ووصل عددها في موسم التمور الأخير إلي 8مهرجانات تنظم في عدة مدن في المنطقة، يتناولها الدكتور عبدالرحمن الحيدر بقوله «إن مهرجانات التمور في القصيم هي تطوير فقط للأسواق الموسمية التي تباع في ها كافة الأنواع من التمور المنتجة في المنطقة دون وجود تطوير علمي ومناسب للأساليب التسويقية». وأبرز الميزات التي أحدثتها مهرجانات التمور في القصيم خلق فرص عمل موسمية للشباب. ويضيف الحيدر أن مانسبتة 82 في المائة من حجم التمور المعروضة والمباعة في مهرجانات التمور في القصيم هي من نوعي السكري والخلاص، لتتقاسم باقي الأنواع التي تزيد على 24 نوعا باقي النسبة. كما أن مهرجاني التمور في مدينة بريدة وعنيزة يشكلان 91 في المائة من حجم سوق التمور في القصيم. ويضيف الحيدر أن الدراسات والأبحاث والإحصاءات في مجال أسواق التمور موجودة ومتوفرة وبكثرة ولكننا نحتاج إلي مبادرة استثمارية جادة، داعيا الغرف التجارية، الجمعيات الزراعية، وجمعية التمور إلي المسارعة بتأليف تجمع تجاري ضخم لإحداث شركة كبري للتمور، التي بدورها ستظهر أساليب قوية وحديثة في تصنيع وتسويق التمور السعودية. وبهذا سيظهر للوجود المشروع الوطني العملاق الذي انطلقت فكرته من بريدة، والمتمثل في تقوية قطاع التمور، ليكون قطاعا اقتصاديا يوازي قطاع البتر وكيماويات، ويكون مستوعبا رئيسا للقوي العاملة السعودية من الجنسين. أكاديمية التمور تظهر المعطيات الأولية أن غالبية العاملين في مجال التمور، زراعة وجنيا وتسويقا هم من غير السعوديين، رغم مايدره هذا القطاع من دخل مالي كبير، ووصولا إلى الحلم الذي يطمح المنتسبون لقطاع التمور إيجاده، والمتمثل في إيجاد أكاديمية متخصصة لتدريب الشابات والشباب السعوديين علي أعمال التمور المتعددة. وظهرت عدة مبادرات تعني بسعودة قطاع التمور، أولها كان برنامجا تدريبيا مدة ثلاثة شهور، أطلق عليه مسمي (الضمادون الجدد) أي صناع التمور. تولى البرنامج تدريب 40 شابا، بتمويل حكومي، ودعم من جمعية عنيزة الزراعية. كما ظهر برنامجان آخران يعنيان بتدريب الفتيات على أعمال حفظ وتغليف التمور. هذه التجارب، رغم استحقاقها للشكر، إلا أنها تحتاج إلى التنظيم الأكثر، كما يذكر يوسف الدخيل عضو لجنة مبادرة التمور التابعة لصندوق التنمية الزراعية، الذي يضيف: أن مخرجات هذه البرامج رغم جودتها إلا أنه لا توجد جهة قوية تحتضن الخريجين والخريجات. وإذا وجد مصنع أو معمل يحتضن هؤلاء فإن إمكاناته ضعيفة وتكون الرواتب ضعيفة، ما يجعل هذه الوظيفة مؤقتة للشباب والشابات. ويعترف الدخيل أن وجود قطاعات استثمارية كبري هو الأمل، الذي سيجعل قطاع التمور قطاعا جاذبا للشباب السعودي، ويحوله من العمل العشوائي إلى العمل المنظم، ويكون رافدا قويا للاقتصاد المحلي، كاشفا أن الوضع الحالي للسوق يؤدي إلى حالة شبيهة باحتكار القلة، ومرتعا للعمالة الأجنبية والمتستر عليها. التسويق الإلكتروني في خطوة رائدة وقوية لفتح أسواق جديدة للتمور القصيم، ظهرت دراسة خاصة بهذا المجال، أطلقتها جمعية البطين الزراعية في بريدة عام 2001م. ومن ثم تم إطلاق سوق الكترونية للتمور هدفها تحويل ساحات التمور في محافظة عنيزة إلي سوق إلكترونية تمكن الشخص أين كان موقعه في العالم من الشراء مباشرة. هذه التجربة رغم الحماس الكبير الذي وجدته في الأوساط الزراعية والإعلامية، إلا أنه اكتنفها الكثير من الصعاب التنظيمية والتقنية والقانونية، ما أدى إلى تقليل الحماس، خاصة وأن المشروع تكبد خسائر مالية ضخمة. ورغم ذلك تبقي تلك التجربة تحتاج مزيدا من الدراسة وأعطت معطيات إيجابية أخرى، يذكرها رئيس اللجنة الوطنية الزراعية في مجلس الغرف السعودية المهندس سمير قباني، إذ يقول إن إحداث سوق إلكترونية للتمور للعرض والشراء هي إنجاز رائد وغير مسبوق، وأنه مع تطويرها ستحدث نقلة جوهرية في تنظيم سوق التمور. وأضاف القباني أن اللجنة الزراعية ستدعم هذه المبادرة، ستحاول صنع سبل نجاحها المستقبلية. ويتطلع الاقتصاديون والباحثون إلى إطلاق البورصة الخاصة بالتمور، وتعد منطقة القصيم مرشحة بقوة؛ لأن تكون المكان البارز لوجود بورصة عالمية للتمور. ووفقا لعدة تقارير فإن أمانة منطقة القصيم لديها خطة طموحة وخاصة بهذه البورصة. وأقيمت عدة ورش عمل قانونية واقتصادية لهذا المجال، الذي إن تم سيحول القصيم إلى عاصمة عالمية للتمور. صناعة التمور تكشف الإحصاءات أن منطقة القصيم تنتج ثلث إنتاج المملكة من التمور، وأن الكميات في ازدياد مع مرور الأيام، فتحوي منطقة القصيم على 9986 مزرعة منتجة للتمور، بإنتاج إجمالي 136.23ألف طن من مختلف أنواع التمور تنتجها 2.47 مليون نخلة. ويبلغ عدد مصانع التمور في القصيم 11 مصنعا فقط، تنتج قرابة 40 ألف طن من أصل 220 ألف طن من إنتاج تمور القصيم، مع وجود عدد من المعامل الصغيرة التي تنتشر في المزارع والاستراحات. ويصل عدد العاملين في قطاع التمور إلى ثلاثة آلاف، غالبيتهم العظمى من غير السعوديين. كما تكشف الدراسات المتحفظة إلى أن حجم سوق التمور المباشر (البيع من المنتج او المزاد) في المملكة تقترب من 5,8 مليار ريال، هذا الإنتاج الضخم والوفير من التمور، وفي ظل تنامي الإنتاج وارتفاع الثقافة الخاصة بمنتجات التمور، يظهر السؤال الأهم: هل السوق السعودية تستوعب هذا الإنتاج الوفير جدا من التمور؟ وهل الحاجة ظهرت للتصدير وفتح أسواق جديدة؟ أم أن الخيار الاستراتيجي هو تشجيع الصناعات التحويلية للتمور؟ عن هذا يعلق خبير التسويق الزراعي عبد الرحمن العمر بقوله «إن مؤشرات عدم استيعاب السوق السعودية للتمور المنتجة محليا بدأت تظهر مع موسم التمور الأخير، فالأسعار انهارت بشكل كبير مقارنة بالموسم الذي سبقه،كما أن تجار التجزئة وإعادة التسويق لم يتمكنوا من بيع كميات كبيرة من مخزون موسم 1430 ه. وهذا يعطي دلالة على أن هناك فائضا كبيرا في الإنتاج المحلي. وعن التصدير يقول: لايوجد تصدير بالمعني الحقيقي للتمور باستثناء ما قد يباع في دول مجلس التعاون الخليجي وبعض البلدان الشقيقة، لاسيما وأن استراتيجية تصدير التمور مازال عليها تحفظ كبير من جهات حكومية مختصة، لعدة عوامل أهمها: الحفاظ على الثروة المائية. ويدعو العمر أن تكون القناة المستوعبة للتمور هي تشجيع الصناعات التحويلية القائمة علي التمور بكيانات اقتصادية كبيرة، فهو الخيار الأفضل. ويعلق عضو اللجنة الوطنية للتمور في مجلس الغرف السعودية عبدالعزيز التويجري بقوله إن الصناعات التحويلية للتمور ليست هدفا في المرحلة الحالية، وهي صناعات معقدة ومكلفة وتحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة. فهذا النوع من الصناعات يستهدف المنتجات من نوع الجلوكوز، أغذية الأطفال، والكحول الطبي وغيرها من المنتجات التي تحتاج تقنيات عالية ومتقدمة. أما المتوفر حاليا فهي الصناعات المشتقة من التمور، كالصناعات البسيطة. ويتناول التويجري الجوانب التسويقية فيقول: إن مهرجانات التمور في القصيم نجحت في تعليق الجرس، في حين يبقى الدور الأهم على المنتج والمسوق والمزارع. وينبغي أن تعيش منطقة القصيم موسما دائما للتمور، من خلال وجود بنية تحتية لأسواق دائمة للتمور ومشتقاتها في المنطقة، والحاجة ماسة جدا إلى تنظيم مهرجان لتسويق تمور القصيم في الملتقى الإسلامي الأكبر في مكةالمكرمة التي يفد إليها الملايين في كل عام.