برزت في الوقت الذي تعمل الدول العربية جاهدة على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل قضية وجود أرصدة ضخمة من الأموال العربية في الخارج. قد لا توجد أرقام دقيقة ومحددة لحجم هذه الأموال، وإن كان بعض الكتاب يشيرون إلى أنها تتراوح بين 750 2500 مليار دولار، تعود ملكيتها إلى حكومات ومستثمرين وأفراد من الدول العربية. وأسهمت العديد من العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية في خروج أو تسلل أو هروب هذه الأموال للخارج، بسبب ضعف المقدرة الاستيعابية للاقتصادات العربية، وانتشار الفساد الإداري والمالي، وغياب الشفافية، بالإضافة إلى قناعة أصحاب هذه الأموال باستقرار الدول الغربية، وقدرتها على المحافظة على الأموال، وضمان الاستثمارات فيها، وإمكانية استرداد أموالهم في أي وقت. ولهذا اتجهت معظم هذه الأموال إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بجانب بعض الدول الأوروبية والآسيوية. وتتوزع هذه الأموال بين المحافظ الاستثمارية، والودائع المصرفية في البنوك، أو شراء أوراق الشركات وحصص الملكية، وكذلك في الممتلكات العقارية. وقد ازدادت المطالبات الوطنية بالحد من هجرة الأموال العربية للخارج، وإعادة توطينها في بلاد أصحابها، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي واجهت هذه الأموال في الخارج، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والمتمثلة في التجميد والمصادرة لبعض الأرصدة والحسابات لمستثمرين وأفراد وحكومات عربية، بحجج يغلب عليها الطابع السياسي في معظم الأحوال، بل إن الحكومة الأمريكية قد جمدت فعلا بعض الحسابات لجمعيات خيرية ومستثمرين عرب، بحجة أن هذه الحسابات لها صلة بأنشطة إرهابية. وحتى الأموال العربية التي لم تتعرض للمصادرة أو التجميد، أصابتها السياسة الاقتصادية الأمريكية المضللة خلال عهد بوش التي اتبعت نظام طباعة البنكنوت (الدولارات) دون أسس نقدية سليمة (أي دون غطاء حقيقي من الإنتاج) لتحقق للولايات المتحدة ثراء على حساب دول العالم، ما أدى إلى تخفيض قيمة الأموال العربية والآسيوية التي دخلت في الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى إصابة هذه الأموال خلال معاناة الاقتصاد الأمريكي من أزمات اقتصادية متتالية، أبرزها أزمة المضاربات على شركات المعلومات والإنترنت، ثم أزمة أسعار العقارات وانهيار البنوك وشركات التأمين، بعد سلسلة من قضايا الفساد والرشوة في المؤسسة الاقتصادية الأمريكية. وسواء كانت رؤوس الأموال جبانة أو شجاعة (تقبل المخاطرة أو تخشاها)، فإن الأموال شديدة الحساسية للوقائع والتجارب التي تمس أمانها. ولهذا قد تتزعزع مصداقية الضمان والأمان للودائع في الدول الغربية، ولكن هل إلى درجة كافية لقبول الدعوات بعودة الأموال إلى أوطانها؟.