خذ سائقا إنجليزيا ودعه يقود سيارته في إحدى مدننا، سيرتكب كل مخالفة يمكن تصورها، متأثرا بالمجتمع الذي يحيط به. وخذ في المقابل سائقا سعوديا ودعه يقود سيارته في أحد شوارع لندن، سيلتزم بكل القوانين صغيرها وكبيرها. السبب هنا هو وجود القانون وغياب القانون. في لندن سيكون حساب السائق المتهور عسيرا، ولدينا سيكون العكس. في لندن هناك قانون صارم لمن يخرج عليه. لكنه لا يستمد قوته من آلية التنفيذ فقط، بل من الإيمان بالقانون ذاته. إذا هي ثقافة القانون ما يقرر سلوك المجتمع. أقول ذلك وأنا أراقب تأثير برنامج «ساهر» على الطرقات؛ لقد انخفضت أرقام الحوادث بسبب وجود قانون يراقب مجانين الطرقات، لكن ليس هؤلاء وحدهم من يحتاجون إلى مراقبة. إن أثبت نظام ساهر فعاليته فلسنا نحتاج إلى «ساهر» على الطرقات فقط، بل نحتاجه في كل دائرة حكومية. نحن نحتاج إلى مجموعة من هذه السواهر لتراقب من هم أكثر خطورة على المجتمع من سائق متهور؛ نحتاج إلى ساهر يراقب الموظف الذي يقضي ساعة كاملة في صلاة الظهر، نحتاج إلى ساهر ليراقب الموظف الذي يقرأ الجرائد على إنجاز معاملات الناس، نحتاج إلى ساهر ليراقب موظف البلدية، نحتاج إلى ساهر ليراقب التجار الذين يتلاعبون بقوت البسطاء، نحتاج إلى ساهر في كل شارع وكل مكتب وكل بيت. فهل هذا ممكن؟ نظريا يستحيل أن تنشر كاميرات في كل مكان لتراقب أخطاء الناس، وهذا صحيح في مجمله. من أجل ذلك فإن أفضل نظام ساهر يمكن الاستعانة به هو نحن.. هو أنا وأنت. أفضل نظام ساهر هو الإنسان نفسه عندما يزرع في داخله نظاما يراقب من خلاله سلوكه أولا. القانون رغم قوته وقدرته على تنظيم الحياة فإنه يصبح عديم الفعالية إن انعدمت الرقابة الذاتية للخطأ. يصبح عديم الفعالية إن فقدنا إيماننا بأهميته. أنت لا يمكن أن تضع «ساهر» لتراقب العنف الأسري، ولا يمكن أن تضع ساهر ليراقب المرأة التي تنتهك حقوقها داخل بيتها ولا تجد من يقف معها، لكنك يمكن أن توجد ثقافة «ساهر»، وهذه الثقافة أهم من أي جهاز، فهو مجرد جهاز قد يعمل وقد لا يعمل، مجرد جهاز يحركه إنسان مثلنا، وقد يخطئ هو ذاته مثلنا. مشكلاتنا ليست في الطرقات وحدها، بل في كثير من نشاطاتنا اليومية. وطالما أثبت «ساهر» فعاليته على ثقافتنا في القيادة، فالمطلوب أن يتطور هذا «الساهر» إلى ثقافة مجتمع كامل، متحررا من آليته كجهاز يومض في وجوهنا ليذكرنا بوجود من يراقبنا. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز تبد أ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة