حين يأخذ المرشد السياحي بيدك وعينك وقلبك ويتجول بك في شوارع المدن العالمية العريقة يتحول ذلك المرشد إلى كتاب متحرك تقرأ فيه سيرة تلك المدينة، فتعرف حين يقف بك على بيت من بيوتها العتيقة من بناه، ومن سكنه، وأهم الأحداث التي شهدها، والاستخدامات التي تم استخدامه من أجلها، فما الذي يستطيع المرشد السياحي أن يقول فيما لو كتب الله له ذات يوم أن يقود سائحا ليحدثه عن جدة التي نسعى إلى ضمها لقائمة التراث العمراني العالمي، وننافس بها مدنا تشكل صروحا عمرانية، بينما جدة تتعثر في تاريخ موزع بين أبنية توشك أن تتداعى، وأخرى تنتظر الحريق القادم؟. هل بوسع هذا الدليل أن يتحول مثل نظيره في المدن العريقة إلى كتاب متحرك أو حتى صفحة من كتاب تطيرها الريح في الأزقة المسكونة بالنفايات ومياه الصرف الصحي؟ هل يستطيع هذا الدليل، فيما لو كتب الله عليه أن يكون دليلا، أن يخبر السائح الذي أغراه انضمام جدة لقائمة التراث العمراني العالمي من هو قابل الذي تسمى الشارع المعروف باسمه؟ هل يستطيع أن يخبره من هم الهنداوي والبغدادي والعماري الذين حملت أحياء الهنداوية والبغدادية والعمارية أسماءهم؟ هل يعرف من المعمار وعكاش والباشا الذين بنوا أشهر ثلاثة مساجد في جدة العتيقة؟ هل يعرف ذلك كله؟ وغير ذلك كذلك؟ أم أنه سيكتفي أن يستضيفه على طبق فول وصحن مطبق في برحة نصيف ويختصر تاريخ جدة حين يؤكد له (شايف كيف جدة غير). أولئك الذين يتباكون كلما احترق بيت من بيوت جدة، ويحق لهم البكاء، يجهلون أو يتجاهلون أن ذاكرة جدة تتآكل يوما بعد يوم، وأن تاريخها الذي لم يكتب يطويه موت الذين لا يهتم أحد بما يعرفونه، كما يطويه تجاهل من هم مسؤولون عن تدوينه لأهميته. جدة التاريخية لن تدخل قائمة التراث العمراني العالمي بطبق فول وصحن مطبق في برحة نصيف، كما أنها لن تدخل تلك القائمة ببيوت تتهاوى وذاكرة تموت. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 165 مسافة ثم الرسالة