يتوجه الناخبون البرازيليون إلى صناديق الاقتراع في 31 أكتوبر الجاري، لحسم الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في أكبر دولة في أمريكا الجنوبية. الجدير بالذكر بأن الجولة الأولى قد جرت في 3 شهر أكتوبر الجاري. ومع أن ديلما روسيف مرشحة حزب العمال البرازيلي الذي يتزعمه الرئيس الحالي لولا داسيلفا قد تصدرت قائمة المرشحين بحصولها على نسبة 46 ,9 % مقابل 32 ,6 % حصل عليها منافسها الاشتراكي الديمقراطي والحاكم السابق لساو باولو جوزيه سيرا، غير أنها لم تستطع الحصول على الأغلبية ( 50 % + 1 ) المطلقة . ويعود ذلك بدرجة أساسية إلى مشاركة رئيسة حركة الخضر مارينا سيلفا في سباق الرئاسة حيث حصدت أكثر من 19 % من الأصوات. وفقا لنتائج الاستطلاعات المنشورة عشية الجولة الثانية والحاسمة لانتخابات الرئاسة فإن الفارق أخذ يتسع ( 14 نقطة ) لصالح ديلما روسيف (57%) المناضلة اليسارية القديمة التي سجنت حوالى 3 سنوات وخضعت للتعذيب إبان الحكم الديكتاتوري العسكري ( 1964 1985 ) السابق، وذلك مقارنة مع منافسها الاشتراكي الديمقراطي جوزيه سيرا ( 43 % ). في ضوء هذه المعطيات نستطيع القول بأن الرئيس البرازيلي لولا الذي سيسلم السلطة في 1 يناير 2011 سيضمن نظريا على الأقل استمرار نهجه وسياساته الإصلاحية ذات البعد الاجتماعي الواضح. في حال فوز ديلما ( 62 سنة ) كما هو متوقع ستكون بذلك أول سيدة تصل إلى سدة الرئاسة البرازيلية. ثقة ديلما بالفوز عبرت عنه بقولها: «إننا معتادون على التحديات، تقليديا نحقق نتيجة جيدة في الدورة الثانية للانتخابات» في حين وجه منافسها جوزيه سيرا نداء لتعبئة ناخبيه قائلا: «أوجه ندائي إلى الأحزاب، رجال السياسة والبرازيليين أصحاب الإرادة الطيبة: سنبني وطنا أفضل، لأن البرازيل يمكنها أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه». وبطبيعة الحال لا نستطيع تخطي الدور القوي الداعم الذي قدمه الرئيس لولا الذي يحظى بشعبية واسعة لمرشحته التي كانت مجهولة إلى ما قبل ستة أشهر. النجاحات المذهلة التي حققتها البرازيل التي تعد أكبر دولة في أمريكا الجنوبية من حيث المساحة ( 8,5 مليون كيلو متر مربع )، والسكان ( 170 مليون نسمة ) اقترنت إلى حد كبير بعهد الرئيس الحالي لولا داسيلفا الذي فاز بالرئاسة البرازيلية في عام 2002 وأعيد انتخابه في عام 2006 لولاية ثانية وأخيرة وفقا للدستور البرازيلي الذي يمنع تولي الرئاسة أكثر من دورتين متتاليتين. بالطبع الحالة البرازيلية وأشباهها لاتنطبق على النظم العربية الجمهورية حيث «القاعدة الذهبية» المعمول بها من قبل غالبية الرؤساء العرب هي «من القصر إلى القبر» ولا بأس بأن يجري توريث القصر لأولادهم قبل أو بعد ذهابهم إلى القبر. وفقا لتقرير «وال ستريت جورنال» في 29 آذار/مارس 2010، حول ما يتوقعه البرازيليون من رئيسهم أو رئيستهم المقبلة المتوقع انتخابهما، خلصت إلى القول: «أن لا تتغير الأمور!». هذه النتيجة المتوقعة لا يمكن فصلها عن البعد الاجتماعي في سياسة ونهج لولا الذي تعهد للشعب البرازيلي في مطلع رئاسته، قائلا: «من اليوم إلى نهاية ولايتي، لن يبقى هناك جائع برازيلي». هذا التعهد الضخم في بلد متخم بالفقر والمجاعة والبطالة والفساد كان يبدو خياليا ومن قبيل الشعارات الانتخابية المعتادة. لكن لغة الأرقام لا تكذب أبدا ! فبحسب الإحصائيات الرسمية، وخلال سبعة أعوام، خرج ما يقارب العشرين مليون برازيلي من حال الفقر. فقد ضمن برنامج «صفر جوع» توفير المواد الغذائية الأساسية للعائلات المعوزة. والنتيجة: أنه خلال الولاية الأولى للرئيس لولا، تراجعت نسبة سوء التغذية لدى الأطفال في البلاد 46 % . لذا ليس صدفة أن يخص برنامج الغذاء العالمي التابع لمنظمة الأممالمتحدة السيد لولا دا سيلفا، في آيار/ مايو 2010، بلقب «البطل العالمي لمكافحة الجوع» .. في عهد لولا اتسعت الطبقات الوسطى الدنيا التي تسجل مداخيل شهرية بين 1065 ريالا و4591 ريال ( العملة البرازيلية) من السكان حيث ارتفعت من 37 % إلى 50%، كما تم خلق 14 مليون وظيفة، وارتفعت القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور بنسبة 53.6 % ، إذا تم أخذ التضخم بعين الاعتبار. الاستفادة غير مقصورة على أصحاب الأجور المتدنية وحدهم وهم الغالبية من السكان فقط، بل أيضا المتقاعدون والمستفيدون من برامج مساعدة المعاقين الذين يتقاضون مبالغ تقاس على أجور الحد الأدنى. وقد ساهم ذلك في ارتفاع نسبة مداخيل العمل من الناتج المحلي الإجمالي من 40 % عام 2000 إلى 43.6 % عام 2009.. وهناك ما يسمى «المنحة العائلية» التي تشمل برنامج المساعدات الموجهة للعائلات الموجودة تحت خط الفقر؛ ويبلغ عدد المستفيدين منه، وفق أرقام الحكومة، 12.4 مليون عائلة، تضم حوالى 40 مليون شخص. في خطاب القسم الرئاسي الأول، بتاريخ 1 كانون الثاني/ يناير 2003 ، صرح لولا : «التغيير هو شعارنا». وقد تجسد هذا الشعار في خطط وبرامج اقتصادية واجتماعية ملموسة طالت تأثيراتها الإيجابية غالبية الشعب البرازيلي، وجعلت الاقتصاد البرازيلي تاسع أكبر اقتصاد في العالم حيث يقدر ب «1» تريليون دولار أمريكي أو 1,8 تريليون دولار حسب القوة الشرائية. وقد عبر عن ذلك الرئيس لولا بقوله: إن البرازيل هي آخر دولة تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية كما هي أول دولة تخرج منها بأقل الأضرار. الرئيس لولا المنحدر من الفئات المهمشة والفقيرة والذي عمل ماسح أحذية وفي أعمال الخراطة وميكانيكا السيارات، ثم احترف العمل النقابي وأسس حزب العمال البرازيلي ( 1985 ) الذي أوصله إلى السلطة في غضون سنوات قليله، تحول إلى أسطورة تفوق بكثير لا عب كرة القدم البرازيلي المشهور بيليه، أنه بمثابة «المسيح المخلص» بالنسبة للغالبية من الشعب البرازيلي. السؤال المطروح هنا: هل ستحافظ الرئيسة المقبلة على إرث ومنجزات لولا ؟. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة